نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 156
كما بينا ، والإشارة حينئذ من قبيل التكرير المغني عن العطف كما في قوله تعالى : أُولئِكَ كَالأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ . والمعنى أن هؤلاء اليهود قد لزمتهم الذلة والمسكنة ، وصاروا أحقاء بسخط اللَّه بسبب كفرهم بآياتنا . وقتلهم أنبياءنا ، وخروجهم عن طاعتنا وتعديهم لحدودنا . وعلى هذا الرأى يكون ذكر أسباب العقوبة التي حلت بهم في الدرجة العليا من حسن الترتيب ، فقد بدأ - سبحانه - بما فعلوه في حقه وهو كفرهم بآياته ، ثم ثنى بما يتلوه في العظم وهو قتلهم لأنبيائه ، ثم وصمهم بعد ذلك بالعصيان والخروج عن طاعته ثم ختم أسباب العقوبة بدمغهم بالاعتداء ، وتخطى الحدود ، وعدم المبالاة بالعهود ، وهذا الترتيب من لطائف أسلوب القرآن الكريم في سوق الأحكام ، مشفوعة بعللها وأسبابها . وبهذا تكون الآية الكريمة قد وصفت بنى إسرائيل بجحود النعم ، وسوء الأدب وحمق التفكير ، وهوان النفس ، وبلادة الطبع ، وبطر الحق ، والبغي على أنفسهم وعلى غيرهم ، وما وصفتهم به أيدته الأيام وصدقته الأحداث في كل زمان ومكان . وبعد أن بين القرآن الكريم ما حل باليهود من عقوبات بسبب جحودهم لنعم اللَّه ، وكفرهم بآياته - أردف بذلك ما وعد اللَّه به المؤمنين من جزيل الثواب . فقال - تعالى - : [ سورة البقرة ( 2 ) : آية 62 ] إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا والَّذِينَ هادُوا والنَّصارى والصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّه والْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ولا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ ( 62 ) ففي هذه الآية الكريمة حدثنا القرآن عن أربع فرق من الناس : أما الفرقة الأولى : فهي فرقة الذين آمنوا ، والمراد بهم الذين آمنوا بالنبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ، وصدقوه . وابتدأ القرآن بهم للإشعار بأن دين الإسلام دين قائم على أساس أن الفوز برضا اللَّه لا ينال إلا بالإيمان الصادق والعمل الصالح ، ولا فضل لأمة على أمة إلا بذلك ، كما قال - تعالى - : إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّه أَتْقاكُمْ . وأما الفرقة الثانية : فهي فرقة الذين هادوا ، أى : صاروا يهودا ، يقال : هاد وتهود ، أى دخل في اليهودية ، وسموا يهودا نسبة إلى يهوذا أكبر أولاد يعقوب - بقلب الذال دالا في
156
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 156