نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 154
قال ابن جرير - رحمه اللَّه - يعنى بقوله تعالى * ( وباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّه ) * : انصرفوا ورجعوا ، ولا يقال باؤا إلا موصولا إما بخير وإما بشر يقال منه باء فلان بذنبه يبوء بوأ وبواء ، ومنه قوله تعالى : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وإِثْمِكَ يعنى تنصرف متحملهما ، وترجع بهما قد صارا عليك دوني ، فمعنى الكلام إذا . ورجعوا منصرفين متحملين غضب اللَّه ، قد صار عليهم من اللَّه غضب ، ووجب عليهم منه سخط « 1 » . وقال صاحب الكشاف : * ( وباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّه ) * من قولك باء فلان بفلان ، إذا كان حقيقا بأن يقتل به لمساواته له ومكافأته ، أى صاروا أحقاء بغضبه « 2 » . ثم صرح - سبحانه - بعد ذلك بسبب ما أحاط بهم من الذلة والمسكنة واستحقاقهم غضب اللَّه وسخطه ، فقال تعالى : * ( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّه ، ويَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، ذلِكَ بِما عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ ) * . والجملة الكريمة استئناف بيانى جواب عن سؤال تقديره : لم فعل بهم كل ذلك ؟ فكان الجواب ، فعلنا بهم بسبب جحودهم لآيات اللَّه ، وبسبب قتلهم لأنبيائه ، وخروجهم عن طاعته ومجاوزتهم حدودهم والآيات تطلق ويراد بها الأدلة الشاهدة على وحدانية اللَّه تعالى وربوبيته ، وتطلق ويراد بها النصوص التي تشتمل عليها الكتب السماوية ، وتطلق ويراد بها الأدلة الشاهدة على صدق الرسل - عليهم الصلاة والسلام - فيما يبلغون عن اللَّه - تعالى - وهي التي يسميها علماء التوحيد المعجزات ، وقد كفر اليهود بكل هذه الضروب من الآيات ، ومردودا على ذلك كما يفيده التعبير بالفعل المضارع * ( يَكْفُرُونَ ) * . وقوله تعالى : * ( ويَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) * أى ويقتلون أنبياء اللَّه الذين بعثهم مبشرين ومنذرين ، ولقد قتل اليهود - فيمن قتلوا من الأنبياء - زكريا وابنه نحيى - عليهما السلام - لأنهما أبيا الانقياد وراء شهواتهم وأهوائهم . وقال - سبحانه - * ( بِغَيْرِ الْحَقِّ ) * مع أن قتل الأنبياء لا يكون بحق أبدا ، لإفادة أن قتلهم لهم كان بغير وجه معتبر في شريعتهم لأنها تحرمه ، أَنَّه مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً فهذا القيد المقصود به الاحتجاج عليهم بأصول دينهم وتخليد مذمتهم ، وتقبيح إجرامهم ، حيث إنهم قتلوا أنبياءهم بدون خطأ في الفهم ، أو تأول في الحكم ، أو شبهة في الأمر ، وإنما فعلوا ما فعلوا وهم عالمون بقبح ما ارتكبوا ، وخالفوا شرع اللَّه عن تعمد وإصرار . قال صاحب الكشاف : « فإن قلت : قتل الأنبياء لا يكون إلا بغير الحق فما فائدة ذكره ؟
( 1 ) تفسير ابن جرير ج 1 ص 315 . ( 2 ) تفسير الكشاف ج 1 ص 217 .
154
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 154