نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 153
ثم بين - سبحانه - العقوبات التي حلت بهم جزاء ظلمهم وفجورهم فقال تعالى : * ( وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ والْمَسْكَنَةُ وباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّه ) * : ضرب الذلة والمسكنة عليهم كناية عن لزومهما لهم ، وإحاطتهما بهم ، كما يحيط السرادق بمن بداخله . قال صاحب الكشاف : ( جعلت الذلة محيطة بهم ، مشتملة عليهم ، فهم فيها كمن يكون في القبة من ضربت عليه ، أو ألصقت به حتى لزمتهم ضربة لازب كما يضرب الطين على الحائط فيلزمه ، فاليهود صاغرون أذلاء أهل مسكنة ومدقعة ) « 1 » . وأصل الضرب في كلام العرب يرجع إلى معنى التقاء ظاهر جسم ، بظاهر جسم آخر بشدة ، يقال : ضرب بيده الأرض إذا ألصقها بها ، وتفرعت عن هذا معان مجازية ترجع إلى شدة اللصوق . والذلة : على وزن فعلة من قول القائل : ذل فلان يذل ذلة وذلة ، والمراد بها الصغار والهوان والحقارة . والمسكنة : مفعلة من السكون ، ومنها أخذ لفظ المسكين ، لأن الهم قد أثقله فجعله قليل الحركة والنهوض ، لما به من الفاقة والفقر ، والمراد بها في الآية : الضعف النفسي ، والفقر القلبي الذي يستولى على الشخص ، فيجعله يحس بالهوان ، مهما يكن لديه من أسباب القوة . والفرق بينهما وبين الذلة . أن الذلة هوان تجيء أسبابه من الخارج ، كأن يغلب المرء على أمره نتيجة انتصار عدوه عليه فيذل لهذا العدو . أما المسكنة فهي هوان ينشأ من داخل النفس نتيجة بعدها عن الحق واستيلاء المطامع والشهوات عليها ، وتوارث الذلة قرونا طويلة يورث هذه المسكنة ، ويجعلها كالطبيعة الثابتة في الشخص المستذل . ولقد عاش اليهود قرونا وأحقابا مستعبدين لمختلف الأمم ، فأكسبهم هذا الاستعباد ضعفا نفسيا جعلهم لا يفرقون بين الحياة الذليلة والكريمة ، بل إنهم ليفضلون الأولى على الثانية ما دامت تجلب لهم غرضا من أغراض الدنيا ، ومهما كثر المال في أيديهم ، فإنهم لا يتحولون عن فقرهم النفسي وظهورهم أمام الناس بمظهر البائس الفقير . وقوله تعالى : * ( وباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّه ) * بيان لسوء عاقبتهم في الآخرة ومبالغة في إهانتهم وتحقيرهم ، فهم في الدنيا أذلاء حقراء ، وفي الآخرة سيرجعون بغضب من اللَّه بسبب أفعالهم القبيحة .
( 1 ) تفسير الكشاف ج 1 ص 217 .
153
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 153