نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 152
وكثرته في الأمصار أن أسأل اللَّه فيه ، ولهذا قال : * ( أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ ) * أى ما طلبتم ، ولما كان سؤالهم هذا من باب البطر والأشر ولا ضرورة فيه لم يجابوا إليه واللَّه أعلم « 1 » . وبذلك يظهر لنا أن ابن كثير - رحمه اللَّه - يرى أن المراد بالمصر مكان غير معين وأن موسى - عليه السلام - لم يسأل ربه إجابة طلبهم لأنهم كانوا متعنتين . بطرين ، واللَّه - تعالى - يكره من كان كذلك ، وأن قول موسى - عليه السلام - لهم « اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم » من باب التوبيخ والتجهيل لهم ، إذ ليس حينئذ بلد قريب يستطيعون الوصول إليه . هذا ، والذي نرجحه في هذا المقام هو ما ذهب إليه الإمام ابن كثير لما يأتى : أولا : أن القراءة بالتنوين متواترة ، وابن جرير نفسه لم يجوز القراءة بغيرها ، وهذه القراءة المتواترة ، نص في أن المراد من مصر ، أى بلد كان ، لا مصر فرعون ، ثم إذا كان المراد به ذلك فليس لنا أن نقول إنه يصدق على مصر فرعون ، وذلك لأن الأمصار التي تنبت ما طلبوا من البقول والخضر أقرب إليهم من مصر ، فليس من المعقول أن يؤمروا بالذهاب إلى مصر فرعون وهي بعيدة عن مكانهم بعدا شاسعا ، ويتركوا الأمصار الأقرب إليهم وفيها ما يريدون . ثانيا : لم ينقل أحد من المؤرخين أنهم رجعوا إلى مصر بعد خروجهم منها كما قال أبو حيان وغيره ، بل الثابت أن بنى إسرائيل خرجوا من مصر ، وأمروا بعد خروجهم بدخول الأرض المقدسة لقتال الجبارين ولكنهم أبوا طاعة نبيهم - عليه السلام - فعذبوا بالتيه أربعين سنة لتخلفهم عن قتال الجبارين ، ولعصيانهم أمر نبيهم وماتوا جميعا في التيه ، وبقي أبناؤهم فامتثلوا أمر اللَّه - تعالى - وهبطوا إلى الشام . وقاتلوا الجبارين ودخلوا الأرض المقدسة بقيادة يوشع بن نون . ثالثا : ليس في الآية ما يشعر بأن موسى - عليه السلام - طلب من ربه أن يجيبهم إلى رغبتهم فكيف نقول بما لم يدل عليه القرآن الكريم ولو من طريق الإشارة ؟ رابعا : دخولهم في التيه كان عقوبة لهم على نكوصهم عن قتال الجبارين ، ليدخلوا الأرض المقدسة التي كتبها اللَّه لهم . فالتيه والحالة هذه كان بمثابة سجن لهم يعاقبون فيه ، كما يشعر بذلك قوله تعالى : فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فكيف يخرج السجين من سجنه تلبية لبعض رغباته المنكرة . وبناء على ذلك يكون الأمر في قول موسى لهم : * ( اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ ) * للتهديد والتوبيخ والتجهيل .
( 1 ) تفسير ابن كثير ج 1 ص 102 .
152
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 152