نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 86
ثم ساق - سبحانه - جملتين بين فيهما الحكمة من ضرب الأمثال فقال : * ( يُضِلُّ بِه كَثِيراً ويَهْدِي بِه كَثِيراً ) * . فقد دلت هاتان الجملتان على أن العلم بكون المثل حقا ، مما يزداد به المؤمنون رشدا على رشدهم ، وأن إنكاره ضلال يزداد به الكافرون تخبطا في ظلمات جهلهم . ووصف كلا من فريقى المؤمنين والمنكرين له بالكثرة مع أن المهديين وصفوا بالقلة كثيرا كما في قوله : وقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ ، وذلك لأن أهل الهدى كثيرون في أنفسهم ، وإذا وصفوا بالقلة فبالقياس إلى أهل الضلال ، وأيضا فإن القليل من أهل الهدى كثير في الحقيقة ، وإن قلوا في الصورة ، فوصفوا بالكثرة ذهابا إلى هذه الحقيقة . وقدم الإضلال على الهداية ، ليكون أول ما يقرع أسماع المبطلين عن الجواب أمرا فظيعا يسوءهم ويفت في أعضادهم . ثم ختمت الآية بقوله - تعالى - : * ( وما يُضِلُّ بِه إِلَّا الْفاسِقِينَ ) * . الفاسقون : جمع فاسق ، من الفسق ، وهو في أصل اللغة : الخروج . يقال : فسقت الرطبة من قشرها . أى : خرجت منه ، وشرعا : الخروج عن طاعة اللَّه ، فيشمل الخروج من حدود الإيمان ، وهو الكفر ، ثم ما دون الكفر من الكبائر والصغائر ، ولكنه اختص في العرف بارتكاب الكبيرة ، ولم يسمع الفسق في كلام الجاهلية ، بمعنى الخروج عن الطاعة فهو بهذا المعنى من الألفاظ الإسلامية . وقصر الإضلال بالمثل على الفاسقين ، إيذان بأن الفسق هو الذي أعدهم لأن يضلوا به ، حيث إن كفرهم قد صرف أنظارهم عن التدبر فيه حتى أنكروه وقالوا : ماذا أراد اللَّه بهذا مثلا . ثم وصف اللَّه - تعالى - هؤلاء الفاسقين بثلاث خصال ذميمة فقال : في بيان الخصلة الأولى : * ( الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّه مِنْ بَعْدِ مِيثاقِه ) * . والنقض : في اللغة حقيقة في فسخ وحل ما ركب ووصل ، بفعل يعاكس الفعل الذي كان به التركيب مثل نقض الحبل المفتول وقد استعمل هنا مجازا في إبطال العهد بقرينة إضافته إلى عهد اللَّه . وعبر عن إبطال العهد بالنقض ، لأنه أبلغ في الدلالة على الإبطال من القطع والصرم ونحوهما ، لأن في النقض إفسادا لهيئة الحبل . والعهد : اسم للموثق الذي يلزم مراعاته وحفظه ، يقال : عهد إليه في كذا ، إذا أوصاه به ووثقه عليه .
86
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 86