نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 87
وعهد اللَّه : تارة يكون بما ركز في العقول من الحجة على التوحيد ، وتارة يكون بما أوجبه اللَّه على الناس على لسان رسله - صلوات اللَّه عليهم - وتارة بما يلتزمه المؤمن . وليس بلازم له في أصل الشرع مما ليس بمعصية كالنذور وما يجرى مجراها . والميثاق : التوثقة ، وهي التقوية والتثبيت ، والمراد به : ما قوى اللَّه به عهده . وقوله : * ( مِنْ بَعْدِ مِيثاقِه ) * متعلق بينقضون ، ومن لابتداء الغاية ، وميثاقه الضمير فيه يجوز أن يعود على العهد ، وأن يعود على اسم اللَّه - تعالى - فهو على الأول مصدر مضاف إلى المفعول ، وعلى الثاني مضاف للفاعل . أما الصفة الثانية التي وصفهم اللَّه بها فهي قوله : « ويقطعون ما أمر اللَّه به أن يوصل » وهو عام في كل قطيعة لا يرضاها اللَّه ، كقطع الرحم ، والإعراض عن موالاة المؤمنين ، وترك الجماعات المفروضة ، وعدم وصل الأقوال الطيبة بالأعمال الصالحة ، وسائر ما فيه رفض خير أو تعاطى شر ، وأما الصفة الثالثة التي وصفهم بها فهي قوله - تعالى - : * ( ويُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ ) * . والفساد في الأرض يقع بعبادة غير اللَّه ، وبالدعاية إلى الكفر به ، وبالاستهزاء بالحق ، وبالاعتداء على حقوق الغير ، وبغير ذلك من الأمور التي حرمها اللَّه - تعالى - . وعبر بقوله : * ( فِي الأَرْضِ ) * للإشعار بأن فسادهم لا يقتصر عليهم ، وإنما هو يتعداهم إلى غيرهم . ثم بين - سبحانه - بعد أن دمغهم بتلك الصفات المرذولة - عاقبة أمرهم فقال : * ( أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ) * . الخاسرون : جمع خاسر مأخوذ من الخسر والخسران وهو النقص ، ومن نقض عهد اللَّه ، وقطع ما أمر اللَّه بوصله ، وأفسد في الأرض ، لا شك أنه قد نقص نفسه حظها من الفلاح والفوز ، وكانت عاقبته الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة . قال ابن جرير : « والخاسرون جمع خاسر ، وهم الناقصون أنفسهم حظوظهم من رحمة اللَّه بسبب معصيتهم له ، كما يخسر الرجل في تجارته بأن يوضع من رأس ماله في بيعه ، وكذلك المنافق والكافر قد خسرا بحرمان اللَّه لهما من رحمته التي خلقها لعباده « 1 » . . . » .
( 1 ) تفسير ابن جرير ج 1 ص 417 طبعة دار المعارف .
87
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 87