responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي    جلد : 1  صفحه : 372


وجعل الدية عوضا عن القصاص إذا رضوا بها باختيارهم ، وهذا عين الرحمة واليسر .
وبالعدالة والرحمة تسعد الأمم وتطمئن في حياتها إذ العدالة هي التي تكسر شره النفوس ، وتغسل غل الصدور ، وتردع الجاني عن التمادي في الاعتداء ، لأنه يعلم علم اليقين أن من وراء الاعتداء قصاصا عادلا .
والرحمة هي التي تفتح الطريق أمام القلوب لكي تلتئم بعد التصدع وتتلاقى بعد التفرق ، وتتوادد بعد التعادي ، وتتسامى عن الانتقام إلى ما هو أعلى منه وهو العفو . فلله هذا التشريع الحكيم الذي ما أحوج العالم إلى الأخذ به ، والتمسك بتوجيهاته .
ثم ختم - سبحانه - الآية بالوعيد الشديد لمن يتعدى حدوده ، ويتجاوز تشريعه الحكيم فقال : * ( فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَه عَذابٌ أَلِيمٌ ) * .
أى : فمن تجاوز حدوده بعد هذا التشريع الحكيم الذي شرعناه بأن قتل القاتل بعد قبول الدية منه ، أو بأن قتل غير من يستحق القتل فله عذاب شديد الألم من اللَّه - تعالى - لأن الاعتداء بعد التراضي والقبول يدل على نكث العهد ، ورقة الدين ، وانحطاط الخلق .
ثم بين - سبحانه - الحكمة في مشروعية القصاص توطينا للنفوس على الانقياد له ، وتقوية لعزم الحكام على إقامته فقال - تعالى - : * ( ولَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ ) * أى : ولكم في مشروعية القصاص حياة عظيمة ، فالتنوين للتعظيم .
قال صاحب الكشاف ، وذلك أنهم كانوا يقتلون الجماعة بالواحد ، وكم قتل مهلهل بأخيه كليب حتى كاد يفنى قبيلة بكر بن وائل . وكان يقتل بالمقتول غير قاتله فتثور الفتنة ويقع بينهم التناحر فلما جاء الإسلام بشرع القصاص كانت فيه حياة أى حياة ، أو نوع من الحياة وهي الحياة الحاصلة بالارتداع عن القتل لوقوع العلم بالاقتصاص من القاتل ، لأنه إذا هم بالقتل فعلم أنه يقتص منه ارتدع فسلَّم صاحبه من القتل وسلَّم هو من القود فكان القصاص سبب حياة نفسين « 1 » .
هذا وقد نقل عن العرب ما يدل على أنهم تحدثوا عن حكمة القصاص ومن أقوالهم في هذا الشأن : « قتل البعض إحياء للجميع ، وأكثروا القتل ليقل القتل » وأجمعوا على أن أبلغ الأقوال التي عبروا بها عن هذا المعنى قولهم « القتل أنفى للقتل » وقد أجمع أولو العلم على أن قوله - تعالى - : * ( ولَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ ) * أبلغ من هذه العبارة التي نطق بها حكماء العرب ، بمقدار ما بين كلام الخالق وكلام المخلوق ، وذكروا أن الآية تفوق ما نطق به حكماء العرب من وجوه كثيرة من أهمها :


( 1 ) تفسير الكشاف ج 1 ص 223 .

372

نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي    جلد : 1  صفحه : 372
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست