نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 344
ووساوسه وطرقه التي يحرم بها الحلال ويحلل الحرام والتي يقذفها في صدور بعض الناس فتجعلهم ينتقلون من الطاعات إلى المعاصي . وفي الجملة الكريمة استعارة تمثيلية ، إذ أن السائر في طريق إذا رأى آثار خطوات السائرين تتبع ذلك المسلك ظنا منه بأن ما سار فيه السائر قبله إلا لأنه موصل للمطلوب ، فشبه المقتدى الذي لا دليل معه سوى المقتدى به وهو يظن مسلكه موصلا ، بالذي يتبع خطوات السائرين ، وشاعت هذه الاستعارة حتى صاروا يقولون هو يتبع خطا فلان بمعنى يقتدى به . وقوله : * ( إِنَّه لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) * تعليل للنهى عن اتباع الشيطان و « مبين » من أبان بمعنى بان وظهر ، وقيل : من أبان بمعنى أظهر ، أى : مظهر للعداوة . والمعنى : « ولا تتبعوا خطواته لأن عداوته ظاهرة لكم بحيث لا تخفى على أى عاقل . وقوله - تعالى - : * ( إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ والْفَحْشاءِ ) * استئناف لبيان كيفية عداوته ، وتفصيل لأنواع شروره ومفاسده . والسوء في الأصل : مصدر ساءه يسوءه سوءا ومساءة إذا أحزنه ، والمراد به هنا ، كل ما يغضب اللَّه - تعالى - من المعاصي ، لأنها تسوء صاحبها وتحزنه في الحال أو المآل . والفحشاء والفاحشة والفحش : ما عظم قبحه من الأقوال والأفعال . وروى عن ابن عباس أنه فسر السوء بما لا حد فيه ، والفحشاء بما فيه حد . والأمر في الأصل : الطلب بالقول ، واستعمل في تزيين الشيطان المعصية ، لأن تزيينها في معنى الدعوة إليها . قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف كان الشيطان آمرا مع قوله لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ؟ قلت : شبه تزيينه وبعثه على الشر بأمر الآمر ، كما تقول : أمرتنى نفسي بكذا ، وتحته رمز إلى أنكم منه بمنزلة المأمورين لطاعتكم له وقبولكم وساوسه ، ولذلك قال : ولآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الأَنْعامِ ولآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّه وقال - تعالى - : إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ لما كان الإنسان يطيعها فيعطيها ما اشتهت » « 1 » . وقوله : * ( وأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّه ما لا تَعْلَمُونَ ) * معطوف على ما قبله . أى : يأمركم الشيطان بالسوء والفحشاء ، ويأمركم أن تقولوا على اللَّه ما لا تعلمون .
( 1 ) تفسير الكشاف ج 1 ص 213 .
344
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 344