نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 343
من السحت والربا فالنار أولى به » « 1 » . وليس من الورع ولا الزهد المرضى عنه شرعا ترك بعض المباحاث ، فإن اللَّه سوى في المباح بين الفعل والترك ، ومن يجعل ترك المباح من الورع ، والورع مندوب ، فكأنه يقول : إن الترك راجح على الفعل ، وهو غير ما حكم اللَّه به . وكان الحسن البصري - وهو من أجل التابعين - يقوم عوج من يعدون من الزهد المحمود الامتناع عن تناول بعض المباحات كالأطعمة اللذيذة . يحكى عنه أنه شهد يوما وليمة ، فرأى رجلا يرفع يده عند ما قدمت الحلوى فقال له الحسن : كل يا لكع فلنعمة اللَّه عليك في الماء البارد أعظم من نعمته في هذه الحلوى . ودخل عليه مرة أحد الزهاد فقال له الحسن : أتحب الخبيص - وهو طعام لذيذ - فقال الزاهد : لا أحبه ولا أحب من يحبه ! ! فأقبل الحسن على جلسائه وقال لهم : أترونه مجنونا . والخلاصة : أنه لا ورع في ترك المباح الذي أحله اللَّه من حيث فيه متعة للنفس ، فذلك هو التنطع في الدين ، وإنما الورع في ترك الإكثار من تناول تلك المباحات ، لأن الإكثار منها قد يؤدى إلى الوقوع فيما نهى اللَّه عنه . هذا ، وقد أورد بعض المفسرين آثارا تدل على أن هذه الآية نزلت في يوم معينين . قال الآلوسى : نزلت في المشركين الذين حرموا على أنفسهم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، وقيل نزلت في قوم من ثقيف وبنى عامر ابن صعصعة وخزاعة وبنى مدلج حيث حرموا التمر والاقط على أنفسهم « 2 » والذي نراه أن الخطاب في الآية لجميع المكلفين من البشر ، وأنها واردة لتفنيد آراء الذين يحرمون على أنفسهم مطعومات لم يقم دليل من الشارع على تحريمها ، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . ثم قال - تعالى - : * ( ولا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ) * . الخطوات : جمع خطوة كغرفة وقيل جمع خطوة كقبضة ، وهي في الأصل ما بين القدمين عند المشي ، وتستعمل على وجه المجاز في الآثار . أى : كلوا أيها الناس من الطيبات التي أحلها اللَّه لكم . ولا تتبعوا آثار الشيطان وزلاته
( 1 ) تفسير ابن كثير ج 1 ص 204 طبعة عيسى الحلبي . ( 2 ) تفسير الآلوسى ج 2 ص 28 .
343
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 343