نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 309
ثم أمر اللَّه عباده بأن يكثروا من ذكره وشكره على ما أسبغ عليهم من نعم فقال : * ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ . . ) * . ذكر الشيء : التلفظ باسمه ، ويطلق بمعنى استحضاره في الذهن ، وهو ضد النسيان وذكر العباد لخالقهم قد يكون باللسان وقد يكون بالقلب وقد يكون بالجوارح . فذكرهم إياه بألسنتهم معناه : أن يحمدوه ويسبحوه ويمجدوه ، ويقرؤا كتابه ، مع استحضارهم لعظمته وجلاله . وذكرهم إياه بقلوبهم معناه أن يتفكروا في الدلائل الدالة على ذاته وصفاته وفي تكاليفه وأحكامه ، وأوامره ونواهيه ، وأسرار مخلوقاته ، لأن هذا التفكر يقوى إيمانهم ، ويصفى نفوسهم . وذكرهم إياه بجوارحهم معناه : أن تكون جوارحهم وحواسهم مستغرقة في الأعمال التي أمروا بها ، منصرفة عن الأفعال التي نهوا عنها ، ولكون الصلاة مشتملة على هذه الثلاثة سماها اللَّه - تعالى - ذكرا في قوله : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّه وذَرُوا الْبَيْعَ . . . . وقوله : * ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) * أمر وجوابه ، وفيه معنى المجازاة فلذلك جزم . والمعنى : اذكروني بالطاعة والاستجابة لما أمرتكم به والبعد عما نهيتكم عنه أذكركم بالرعاية ، والنصرة ، وصلاح الأحوال في الدنيا ، وبالرحمة وجزيل الثواب في الآخرة . فالذكر في قوله « أذكركم » مستعمل فيما يترتب على الذكر من المجازاة بما هو أوفى وأبقى ، كما أن قوله « فاذكروني » المراد به : اذكروا عظمتي وجلالي ونعمى عليكم ، لأن هذا التذكر هو الذي يبعث على استفراغ الوسع في الأقوال والأعمال التي ترضى اللَّه . قال صاحب المنار : وقال الأستاذ الإمام : هذه الكلمة - وهي قوله - تعالى - * ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) * - من اللَّه - تعالى - كبيرة جدا ، كأنه يقول : إننى أعاملكم بما تعاملوننى به وهو الرب ونحن العبيد ، وهو الغنى عنا ونحن الفقراء إليه . وهذه أفضل تربية من اللَّه لعباده : إذا ذكروه ذكرهم بإدامة النعمة والفضل ، وإذا نسوه نسيهم وعاقبهم بمقتضى العدل « 1 » « . هذا ، وقد وردت أحاديث متعددة في فضل الذكر والذاكرين ، ومن ذلك ما رواه الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة قال : قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول اللَّه - تعالى - : أنا عند ظن عبدى بي وأنا معه حين يذكرني . فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي . وإن ذكرنى في ملأ ذكرته في ملأ خير
( 1 ) تفسير المنار ج 2 ص 32 .
309
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 309