نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 219
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف استقام قوله تعالى : * ( فَإِنَّه نَزَّلَه عَلى قَلْبِكَ ) * جزاء للشرط ؟ قلت : فيه وجهان : أحدهما : إن عادى جبريل أحد من أهل الكتاب فلا وجه لمعاداته ، حيث نزل كتابا مصدقا للكتب التي بين يديه ، فلو أنصفوا لأحبوه وشكروا له صنيعه في إنزاله ما ينفعهم ويصحح المنزل عليهم . والثاني : إن عاداه أحد فالسبب في عداوته أنه نزل عليك القرآن مصدقا لكتابهم ، وموافقا له ، وهم كارهون للقرآن ولموافقته لكتابهم ، ولذلك يحرفونه ويجحدون موافقته له . كقولك : « إن عاداك فلان فقد آذيته وأسأت إليه » « 1 » . وقوله - تعالى - : * ( بِإِذْنِ اللَّه ) * أى بأمره ، وهو توبيخ لهم على عداوتهم لجبريل ، الذي أنزل بالقرآن بإذن اللَّه ، لا من تلقاء نفسه ، وهذه حجة أولى عليهم . وقوله تعالى : * ( مُصَدِّقاً ) * حال من الضمير العائد على القرآن الكريم ، في قوله * ( نَزَّلَه ) * أى أنزله حالة كونه مؤيدا للكتب السماوية التي قبله ومن بينها التوراة ، وهذه حجة ثانية عليهم . ثم عززهما بثالثة ورابعة - فقال تعالى : * ( وهُدىً وبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ ) * أى هذا القرآن الذي نزل مصدقا لكتبكم ، هو هاد إلى طريق الفلاح والنجاح ، والعاقل لا يرفض الهداية التي تأتيه وتنقذه مما هو فيه من ضلالات ولو كان الواسطة في مجيئها عدوا له ، وهو - أيضا - مبشر للمؤمنين برضا اللَّه تعالى - عنهم في الدنيا والآخرة ، أما الضالون فقد أنذرهم بسوء العقبى فعليكم أن تتبعوا طريق الإيمان لتكونوا من المفلحين وبذلك يكون القرآن قد أقام حججا متعددة على حماقتهم وعنادهم وجحودهم للحق بعد ما تبين . وتكون الآية الكريمة قد مدحت القرآن بخمس صفات . أولها : أنه منزل من عند اللَّه وبإذنه . وثانيها : أنه منزل على قلب النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم . وثالثها : أنه مصدق لما نزل قبله من الكتب السماوية . ورابعها : أنه هاد إلى الخير أبلغ هدى وأقواه . وخامسها : أنه بشارة سارة للمؤمنين . ثم بين - تعالى - حقيقة الأمر فيمن يعادى جبريل وأن عداوته عداوة للَّه - تعالى - فإنه أمين وحيه إلى رسله ليس له في ذلك شيء إلا أن يبلغ ما أمر به فقال تعالى : * ( مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّه ومَلائِكَتِه ورُسُلِه وجِبْرِيلَ ومِيكالَ فَإِنَّ اللَّه عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ ) * .
( 1 ) تفسير الكشاف ج 1 ص 226 .
219
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 219