نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 107
بكم من النقم مثل ما أنزلت بمن قبلكم من المسخ وغيره ، فالآيات الكريمة قد تضمنت وعدا ووعيدا وترغيبا وترهيبا . * ( وآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ ) * . وبعد أن أمر اللَّه - عز وجل - بنى إسرائيل ، أن يوفوا بعهده عموما أتبع ذلك بأمرهم بأن يوفوا بأمر خاص وهو القرآن الكريم ، وفي التعبير عنه بذلك تعظيم لشأنه ، وتفخيم لأمره . وأفرد - سبحانه - أمرهم بأن يؤمنوا به مع اندراجه في قوله - تعالى - * ( وأَوْفُوا بِعَهْدِي ) * للإشارة إلى أن الوفاء بالعهد لا يحصل منهم إلا إذا صدقوا به . والمراد بما معهم التوراة ، والتعبير عنها بذلك للإشعار بعلمهم بتصديقه لها . والمعنى : آمنوا يا بنى إسرائيل بالكتاب المنزل على محمد صلَّى اللَّه عليه وسلم وهو القرآن الكريم المصدق لكتابكم التوراة ، ومن مظاهر هذا التصديق اشتمال دعوته على ما يحقق دعوتها ، من الأمر بتوحيد اللَّه - تعالى - والحث على التمسك بالفضائل ، والبعد عن الرذائل ، وإخباره بما جاء بها من الإشارة إلى بعثة النبي صلَّى اللَّه عليه وسلم ، ومطابقة ما وصفته به مطابقة واضحة جلية وموافقته لها في أصول الدين الكلية ، وهيمنته عليها ، ولذا قال - عليه الصلاة والسلام - : « لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعى » « 1 » . وفي إخبار بنى إسرائيل بأن القرآن الكريم مصدق لما معهم ، إثارة لهممهم لو كانوا يعقلون - للإقبال عليه ، متدبرين آياته ، حتى تستيقن نفوسهم أنه دعوة الحق والإصلاح المؤدية إلى السعادة في الدنيا والآخرة وحتى تطمئن قلوبهم إلى أن الإيمان به معناه الإيمان بما معهم ، والكفر به ، كفر بما بين أيديهم ، حيث إن ما بين أيديهم قد بشر ببعثة محمد صلَّى اللَّه عليه وسلم المنزل عليه القرآن الكريم . قال الإمام الرازي : ( وهذه الجملة الكريمة تدل على صدق النبي صلَّى اللَّه عليه وسلم من وجهين : أولهما : أن الكتب السابقة قد بشرت به ، وشهاداتها لا تكون إلا حقا . وثانيهما : أنه - عليه الصلاة والسلام - قد أخبرهم عما في كتبهم بدون معرفة سابقة لها ، وهذا لا يتأتى إلا عن طريق الوحى « 2 » . وبعد أن أمرهم - سبحانه - بالإيمان الخالص ، عرض بهم لتكذيبهم وجحودهم ، فقال - تعالى - : * ( ولا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِه ) * أى : لا تكونوا أول فريق من أهل الكتاب يكفر بالقرآن الكريم ، فيقتدى بكم أناس آخرون وبهذا تصيرون أئمة للكفر مع أن من الواجب
( 1 ) رواه الإمام أحمد في مسنده عن جابر بن عبد اللَّه - رضي اللَّه عنهما - ( 2 ) تفسير الفخر الرازي ج 1 ص 430
107
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 107