نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 108
عليكم أن تسارعوا إلى الإيمان به لأنكم أدرى الناس بأنه من عند اللَّه ، وأكثرهم علما بأنه الرسول الذي نزل عليه هذا القرآن ، وهو الصادق الأمين فيما يبلغه عن ربه . والمقصود من هذه الجملة الكريمة ، تبكيتهم على مسارعتهم في الكفر ، واستعظام وقوع الجحود منهم ، وتوعدهم عليه بسوء المآل . قال الإمام الرازي : ( هذه الجملة خطاب لبنى إسرائيل قبل غيرهم فكأنه - سبحانه - يقول لهم : لا تكفروا بمحمد ، فإنه سيكون بعدكم كفرة ، فلا تكونوا أنتم أولهم لأن هذه الأولية موجبة لمزيد الإثم ، وذلك لأنهم إذا سبقوا إلى الكفر ، فإما أن يقتدى بهم غيرهم أولا ، فإن اقتدى بهم غيرهم كان عليهم وزره ووزر كل كافر إلى يوم القيامة ، وإن لم يقتد بهم غيرهم ، اجتمع عليهم أمران : السبق إلى الكفر والتفرد به وكلاهما منقصة عظيمة ، وتؤدى إلى العاقبة الوبيلة ) « 1 » . ثم نهاهم عن أن يبيعوا دينهم بدنياهم ، فقال - تعالى - : * ( ولا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا ) * . والاشتراء هنا استعارة للاستبدال ، والذي استبدل به الثمن القليل هو الإيمان بالآيات ، والمراد بالآيات : البراهين المؤيدة لصدق النبي صلَّى اللَّه عليه وسلم وفي مقدمتها القرآن الكريم والتوراة . والمراد بالثمن القليل : حظوظ الدنيا وشهواتها من نحو الرياسة والمال والجاه ، وما إلى ذلك من الأمور التي خافوا ضياعها لو اتبعوا الرسول صلَّى اللَّه عليه وسلم . والمعنى : لا تستبدلوا بالإيمان بما أنزلت مصدقا لما معكم شيئا من حطام الدنيا ، ولا تختاروا على ثواب اللَّه بديلا من الأموال ، فإنها مهما كثرت فهي قليلة مسترذلة بالنسبة لما يناله أولو الإيمان الخالص من رعاية ضافية في الدنيا ، وخيرات حسان في الأخرى . وليس وصف الثمن بالقلة من الأوصاف المخصصة للنكرات ، بل هو من الأوصاف اللازمة للثمن المحصل بالآيات إذ لا يكون إلا قليلا وإن بلغ ما بلغ من أعراض الدنيا بجانب رضا اللَّه - عز وجل - . ونزل تمكينهم من الإيمان بالآيات لوضوحها منزلة حصوله بالفعل ، فكأن الإيمان كان في حوزتهم ، ولكنهم خلعوه ونبذوه ، مستبدلين الذي هو أدنى بالذي هو خير فباؤا بغضب على غضب لكفرهم بالقرآن الكريم وبتوراتهم التي بشرت بالرسول - عليه الصلاة والسلام - . ثم حذرهم - سبحانه - من التمادي في الكفر بما أنزل ، مصدقا لما معهم ، فقال - تعالى - « وإياى فاتقون » الاتقاء معناه الحذر ، يقال : فلان اتقى اللَّه أى حذر عقابه وبطشه ، والحذر من
( 1 ) تفسير الفخر الرازي ج 1 ص 432 بتصرف وتلخيص .
108
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 108