نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 97
من اصطلام أهلها ومن الخسف بهم والقذف الذي لحق غيرها وبما جعل في النفوس من تعظيمها والهيبة لها ، والوجه الثاني بالحكم بأمنها على ألسنة رسله ، فأجابه الله تعالى إلى ذلك . قوله تعالى : ( ومن كفر ) قد تضمن استجابته لدعوته وإخباره أنه يفعل ذلك أيضا بمن كفر منهم في الدنيا . وقد كانت دعوة إبراهيم خاصة لمن آمن منهم بالله واليوم الآخر ، فدلت ( الواو ) التي في قوله ( ومن كفر ) على إجابة دعوة إبراهيم وعلى استقبال الأخبار بمنعه من كفر قليلا . ولولا الواو لكان كلاما منقطعا من الأول غير دال على استجابة دعوته فيما سأله . وقيل في معنى ( أمتعه ) أنه إنما يمتعه بالرزق الذي يرزقه إلى وقت مماته . وقيل : ( أمتعه بالبقاء في الدنيا ) وقال الحسن : ( أمتعه بالرزق والأمن إلى خروج محمد صلى الله عليه وسلم فيقتله إن أقام على كفره أو يجليه عنها ) . فتضمنت الآية حظر قتل من لجأ إليه من وجهين ، أحدهما : قوله ( رب اجعل هذا بلدا آمنا ) مع وقوع الاستجابة له . والثاني : قوله ( ومن كفر فأمتعه قليلا ) لأنه قد نفى قتله بذكر المتعة إلى وقت الوفاة . ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ) الآية ، قواعد البيت أساسه . وقد اختلف في بناء إبراهيم عليه السلام هل بناه على قواعد قديمة أو أنشأها هو ابتداء ؟ فروى معمر عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله ( القواعد من البيت ) قال : ( القواعد التي كانت قبل ذلك قواعد البيت ) . وروى نحوه عن عطاء . وروى منصور عن مجاهد عن عبد الله بن عمر قال : ( خلق الله البيت قبل الأرض بألفي عام ثم دحيت الأرض من تحته ) . وروي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الملائكة كانت تحج البيت قبل آدم ، ثم حجه آدم عليه السلام ) . وروي عن مجاهد وعمرو بن دينار ، أن إبراهيم عليه السلام أنشأه بأمر الله إياه . وقال الحسن : ( أول من حج البيت إبراهيم ) . واختلف في الباني منهما للبيت ، فقال ابن عباس : ( كان إبراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة ) وهذا يدل على جواز إضافة فعل البناء إليهما وإن كان أحدهما معنيا فيه ، ومن أجل ذلك قلنا في قوله عليه السلام لعائشة : ( لو قدمت قبلي لغسلتك ودفنتك ) يعني أعنت في غسلك . وقال السدي وعبيد بن عمير : ( هما بنياه جميعا ) . وقيل في رواية شاذة : إن إبراهيم عليه السلام وحده رفعها وكان إسماعيل صغيرا في وقت رفعها ، وهو غلط لأن الله تعالى قد أضاف الفعل إليهما ، وكذلك أطلق عليهما إذ رفعاه جميعا ، أو رفع أحدهما وناوله الآخر الحجارة . والوجهان الأولان جائزان ، والوجه الثالث لا يجوز . ولما قال تعالى : ( طهرا بيتي للطائفين ) وقال في آية أخرى : ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) [ الحج : 29 ] اقتضى ذلك الطواف بجميع البيت .
97
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 97