نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 68
في استدعائه واستدعاء رعيته إلى الاسلام . وكذلك كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وخصهما بالذكر دون رعاياهما وإن كان رسولا إلى كافة الناس ، لما وصفناه من أن الرعية تبع للراعي ، وكذلك قال عليه السلام في كتابه لكسرى : ( أما بعد فأسلم تسلم وإلا فعليك إثم المجوس ) وقال لقيصر ( أسلم تسلم وإلا فعليك إثم الأريسين ) يعني أنك إذا آمنت تبعتك الرعية ، وإن أبيت لم تستجب الرعية إلى الاسلام خوفا منك فهم تبع لك في الاسلام والكفر . فلذلك - والله أعلم - خص الملكين من أهل بابل بإرسال الملكين إليهما كما قال الله تعالى : ( الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ) [ الحج : 75 ] . فان قيل : فكيف يكون الملائكة مرسلا إليهم ومنزلا عليهم ؟ قيل له : هذا جائز شائع ، لأن الله تعالى قد يرسل الملائكة بعضهم إلى بعض كما يرسلهم إلى الأنبياء ، كثف أجسامهم وجعلهم كهيئة بني آدم لئلا ينفروا منهم ، قال الله تعالى : ( ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا ) [ الأنعام : 9 ] يعني هيئة الرجل . وقوله تعالى : ( يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ) معناه - والله أعلم - أن الله أرسل الملكين ليبينا للناس معاني السحر ويعلموهم أنه كفر وكذب وتمويه لا حقيقة له حتى يجتنبوه ، كما بين الله على ألسنة رسله سائر المحظورات والمحرمات ليجتنبوه ولا يأتوه ، فلما كان السحر كفرا أو تمويها وخداعا وكان أهل ذلك الزمان قد اغتروا به وصدقوا السحرة فيما ادعوه لأنفسهم به ، بين ذلك للناس على لسان هذين الملكين ليكشفا عنهم غمة الجهل ويزجراهم لا عن الاغترار به ، كما قال تعالى ( وهديناه النجدين ) [ البلد : 10 ] يعني ، والله أعلم : بينا سبيل الخير والشر ليجتبي الخير ويجتنب الشر . وكما قيل لعمر بن الخطاب : فلان لا يعرف الشر ، قال : ( أجدر أن يقع فيه ) . ولا فرق بين بيان معاني السحر والزجر عنه ، وبين بيان سائر ضروب الكفر وتحريم الأمهات والأخوات وتحريم الزنا والربا وشرب الخمر ونحوه ، لأن الغرض لما بينا في اجتناب المحظورات والمقبحات كهو في بيان الخير ، إذ لا يصل إلى فعله إلا بعد العلم به ، كذلك اجتباء الطاعات والواجبات ، فمن حيث وجبت وجب بيان الشر ليجتنبه إذ لا يصل إلى تركه واجتنابه إلا بعد العلم به . ومن الناس من يزعم أن قوله : ( وما أنزل على الملكين ) معناه أن الشياطين كذبوا على ما أنزل على الملكين كما كذبوا على سليمان ، وأن السحر الذي يتلوه هؤلاء لم ينزل عليهما ، وزعم أن قوله تعالى : ( فيعلمون منهما ) معناه : من السحر والكفر ، لأن قوله ( ولكن الشياطين كفروا ) يتضمن الكفر فرجع الضمير إليهما ، كقوله تعالى : ( سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى ) [ الأعلى : 10 و 11 ] أي يتجنب الأشقى الذكرى . قال : وقوله ( وما يعلمان من أحد )
68
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 68