نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 616
وجل : ( إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) [ الحجرات : 6 ] وذلك عموم في إيجاب التثبت في سائر أخبار الفساق ، والشهادة خبر ، فوجب التثبت فيها إذا كان الشاهد فاسقا . فلما نص الله على التثبت في خبر الفاسق وأوجب علينا قبول شهادة العدول المرضيين وكان الفسق قد يعلم من جهة اليقين والعدالة لا تعلم من جهة اليقين دون ظاهر الحال ، علمنا أنها مبنية على غالب الظن وما يظهر من صلاح الشاهد وصدق لهجته وأمانته ، وهذا وإن كان مبنيا على أكثر الظن فهو ضرب من العلم كما قال تعالى في المهاجرات : ( فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار ) [ الممتحنة : 10 ] وهذا هو علم الظاهر دون الحقيقة ، فكذلك الحكم بعدالة الشاهد طريقه العلم الظاهر دون المغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى . وهذا أصل كبير في الدلالة على صحة القول باجتهاد الرأي في أحكام الحوادث ، إذ كانت الشهادات من معالم أمور الدين والدنيا ، وقد عقد بها مصالح الخلق في وثائقهم وإثبات حقوقهم وأملاكهم وإثبات الأنساب والدماء والفروج ، وهي مبنية على غالب الظن وأكثر الرأي ، إذ لا يمكن أحدا من الناس إمضاء حكم بشهادة شهود من طريق حقيقة العلم بصحة المشهود به . وهو يدل على بطلان القول بإمام معصوم في كل زمان ، واحتجاج من يحتج فيه بأن أمور الدين كلها ينبغي أن تكون مبنية على ما يوجب العلم الحقيقي دون غالب الظن وأكثر الرأي ، وأنه متى لم يكن إمام بهذه الصفة لم يؤمن الخطأ فيها لأن الرأي يخطئ ويصيب ، لأنه لو كان كما زعموا لوجب أن لا تقبل شهادة الشهود إلا أن يكونوا معصومين مأمونا عليهم الخطأ والزلل ، فلما أمر الله تعالى بقبول شهادة الشهود إذا كانوا مرضيين في ظاهر أحوالهم دون العلم بحقيقة مغيب أمورهم مع جواز الكذب والغلط عليهم ، ثبت بطلان الأصل الذي بنوا عليه أمر النص . فإن قالوا : الإمام يعلم صدق الشهود من كذبهم . قيل لهم : فواجب أن لا يسمع شهادة الشهود غير الإمام ، وأن لا يكون للإمام قاض ولا أمين إلا أن يكون بمنزلته في العصمة وفي العلم بمغيب أمر الشهود ، ويجب أن لا يكون أحد من أعوان الإمام إلا معصوما مأمون الزلل والخطأ لما يتعلق به من أحكام الدين ، فلما جاز أن يكون للإمام حكام وشهود وأعوان بغير هذه الصفة ثبت بذلك جواز كثير من أمور الدين مبنيا على اجتهاد الرأي وغالب الظن . وفيما ذكرناه مما تعبدنا الله به في هذه الآية من اعتبار أحوال الشهود بما يغلب في الظن من عدالتهم وصلاحهم ، دلالة على بطلان قول نفاة القياس والاجتهاد في الأحكام التي لا نصوص فيها ولا إجماع ، لأن الدماء والفروج والأموال والأنساب من الأمور التي قد عقد بهما مصالح الدين والدنيا ، وقد أمر الله فيها بقول شهادة الشهود الذين لا نعلم مغيب أمورهم وإنما نحكم بشهاداتهم بغالب الظن وظاهر أحوالهم مع تجويز الكذب
616
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 616