نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 615
قد شهد بالخير والصلاح للقرن الأول والثاني والثالث ، حدثنا عبد الرحمن بن سيما قال : حدثنا عبد الله بن أحمد قال : حدثني أبي قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبيدة ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم - ثلاث أو أربع ثم يجئ قوم نسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته ) . قال : وكان أصحابنا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صبيان . وإنما حمل السلف ومن قال من فقهاء الأمصار مما وصفنا أمر المسلمين في عصرهم على العدالة وجواز الشهادة لظهور العدالة فيهم ، وإن كان فيهم صاحب ريبة وفسق كان يظهر النكير عليه ويتبين أمره ، وأبو حنيفة كان في القرن الثالث الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخير والصلاح ، فتكلم على ما كانت الحال عليه ، وأما لو شهد أحوال الناس بعد لقال بقول الآخرين في المسألة عن الشهود ، ولما حكم لأحد منهم بالعدالة إلا بعد المسألة . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للأعرابي الذي شهد على رؤية الهلال : ( أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ؟ ) قال : نعم ! فأمر الناس بالصيام بخبره ولم يسأل عن عدالته بعد ظهور إسلامه ، لما وصفنا . فثبت بما وصفنا أن أمر التعديل وتزكية الشهود وكونهم مرضيين مبني على اجتهاد الرأي وغالب الظن ، لاستحالة إحاطة علومنا بغيب أمور الناس . وقد حذرنا الله الاغترار بظاهر حال الانسان وبالركون إلى قوله مما يدعيه لنفسه من الصلاح والأمانة ، فقال : ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ) [ البقرة : 204 ] الآية . ثم أخبر عن مغيب أمره وحقيقة حاله فقال : ( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ) [ البقرة : 205 ] الآية ، فأعلمنا ذلك من حال بعض من يعجب ظاهر قوله . وقال أيضا في صفة قوم آخرين : ( وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم ) [ المنافقون : 4 ] الآية ، فحذر نبيه صلى الله عليه وسلم الاغترار بظاهر حال الانسان ، وأمرنا بالاقتداء به فقال : ( واتبعوه ) [ الأعراف : 158 ] وقال : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) [ الأحزاب : 21 ] فغير جائز إذا كان الأمر على ما وصفنا الركون إلى ظاهر أمر الانسان دون التثبت في شهادته والبحث عن أمره ، حتى إذا غلب في ظنه عدالته قبلها . وقد وصف الله تعالى الشهود المقبولين بصفتين : إحداهما العدالة في قوله تعالى : ( اثنان ذوا عدل منكم ) [ المائدة : 106 ] وقوله : ( وأشهدوا ذوي عدل منكم ) [ الطلاق : 2 ] والأخرى أن يكونوا مرضيين لقوله : ( ممن ترضون من الشهداء ) والمرضيون كان لا بد أن تكون من صفتهم العدالة . وقد يكون عدلا غير مرضي في الشهادة ، وهو أن يكون غمرا مغفلا يجوز عليه التزوير والتمويه ، فقوله : ( ممن ترضون من الشهداء ) قد انتظم الأمرين من العدالة والتيقظ وذكاء الفهم وشدة الحفظ . وقد أطلق الله ذكر الشهادة في الزنا غير مقيد بذكر العدالة وهي من شرطها العدالة والرضى جميعا ، وذلك لقوله عز
615
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 615