نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 577
أن من ألزم نفسه دينا بعقد عقده على نفسه أنه يلزمه أداؤه محكوم عليه بأنه موسر به وغير مصدق على الإعسار المسقط عنه المطالبة ، كما لا يصدق على التأجيل بعد ثبوته عليه حالا . وإنما قال أصحابنا ( إنه يحبسه في أول ما يرفعه إلى القاضي إذا طلب ذلك الطالب ، ولا يسأل عنه ) من قبل أنه توجهت عليه المطالبة بأدائه ومحكوم له باليسار في قضائه ، فالواجب أن يستبرئ أمره بديا ، إذ جائز أن يكون له مال قد خبأه لا يقف عليه غيره ، فلا يوقف بذلك على إعساره ، فينبغي له أن يحبسه استظهارا لما عسى أن يكون عنده ، إذ كان في الأغلب أنه إن كان عنده شئ آخر أضجره الحبس وألجأه إلى اخراجه ، فإذا حبسه هذه المدة فقد استظهر في الغالب فحينئذ يسأل عنه ، لأنه جائز أن يكون هناك من يعلم يساره سرا فإذا ثبت عنده إعساره خلاه من الحبس . وقد روي عن شريح أنه كان يحبس المعسر في غير الربا من الديون ، فقال له معسر قد حبسه : قال الله تعالى : ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) فقال شريح : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) [ النساء : 58 ] والله لا يأمرنا بشئ ثم يعذبنا عليه . وقد قدمنا ذكر مذهب شريح في تأويل الآية ، وإن قوله تعالى : ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) مقصور على الربا دون غيره ، وأن غيره من الديون لا يختلف في الحبس فيها الموسر والمعسر . ويشتبه أن يكون ذهب في ذلك إلى أنه لا سبيل لنا إلى معرفة الإعسار على الحقيقة ، إذ جائز أن يظهر الإعسار وحقيقة أمره اليسار ، فاقتصر بحكم الإنظار على رأس مال الربا الذي نزل به القرآن وحمل ما عداه على موجب عقد المداينة من لزوم القضاء وتوجه المطالبة عليه بالأداء . وقد بينا وجه فساد هذا القول بما قد دللنا عليه من مقتضى عموم اللفظ لسائر الديون . ومع ذلك فلو كان نص التنزيل واردا في الربا دون غيره لكان سائر الديون بمنزلته قياسا عليه ، إذ لا فرق في حال اليسار بينهما في صحة لزوم المطالبة بهما ووجوب أدائهما ، فوجب أن لا يختلفا في حال الأداء في سقوط الحبس فيها دونه . فأما قوله تعالى : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) [ النساء : 58 ] واحتجاج شريح به في حبس المطلوب ، فإن الآية إنما هي في الأعيان الموجودة في يد لغيره فعليه أداؤه ، وأما الديون المضمونة في ذمته فإنما المطالبة بها معلقة بإمكان أدائها ، فمن كان معسرا فإن الله لم يكلفه إلا ما في إمكانه ، قال الله تعالى : ( لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا ) [ الطلاق : 7 ] فإذا لم يكن مكلفا لأدائها لم يجز أن يحبس بها . فإن قيل : إن الدين من الأمانات ، لقوله تعالى : ( فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته ) وإنما يريد به الدين المذكور في قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا
577
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 577