نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 578
تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ) قيل له : إن كان الدين مرادا بقوله تعالى : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) [ النساء : 58 ] فإن الأمر بذلك توجه إليه على شريطة الإمكان ، لما وصفنا من أن الله تعالى لا يكلف أحدا مالا يقدر عليه ولا يتسع لفعله ، وهو محكوم له من ظاهر إعساره أنه غير قادر على أدائه . ولم يكن شريح ولا أحد من السلف يخفى عليهم أن الله لا يكلف أحدا مالا يقدر عليه ، بل كانوا عالمين بذلك ، ولكنه ذهب عندي - والله أعلم - إلى أنه لم يتيقن وجود ذلك ، ويجوز أن يكون قادرا على أدائه مع ظهور إعساره ، فلذلك حبسه . واختلف أهل العلم في الحاكم إذا ثبت عنده إعساره وأطلقه من الحبس ، هل يحول بين الطالب وبين لزومه ؟ فقال أصحابنا : ( للطالب أن يلزمه ) . وذكر ابن رستم عن محمد قال : ( والملزوم في الدين لا يمنع من دخول منزله للغذاء والغائط والبول ، فإن أعطاه الذي يلزمه الغذاء وموضع الخلاء فله أن يمنعه من إتيان منزله ) . وقال غيرهم ، منهم مالك والشافعي : ( ليس له أن يلزمه ) . وقال الليث بن سعد ( يؤاجر الحر المعسر فيقضي دينه من أجرته ) ، ولا نعلم أحدا قال بمثل قوله إلا الزهري ، فإن الليث بن سعد روى عن الزهري قال : ( يؤاجر المعسر بما عليه من الدين حتى يقضي عنه ) . والذي يدل على أن ظهور الإعسار لا يسقط عنه اللزوم والمطالبة والاقتضاء ، حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من أعرابي بعيرا إلى أجل ، فلما حل الأجل جاءه يتقاضاه ، فقال : ( جئتنا وما عندنا شئ ، ولكن أقم حتى تأتي الصدقة ) فجعل الأعرابي يقول : واغدراه ! فهم به عمر ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( دعه فإن لصاحب الحق مقالا ) فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس عنده شئ ، ولم يمنعه الاقتضاء ، وقال ( إن لصاحب الحق مقالا ) فدل ذلك على أن الإعسار بالدين غير مانع اقتضاءه ولزومه به ، وقوله ( أقم حتى تأتي الصدقة ) يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما اشترى البعير للصدقة لا لنفسه ، لأنه لو كان اشتراه لنفسه لم يكن ليقضيه من إبل الصدقة ، لأنه لم يكن تحل له الصدقة ، فهذا يدل على أن من اشترى لغيره يلزمه ثمن ما اشترى ، وإن حقوق العقد متعلقة به دون المشتري له ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنعه اقتضاءه ومطالبته به . وهو في معنى الحديث الذي رواه أبو رافع : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا ثم قضاه من إبل الصدقة ) ، لأن السلف كان دينا على مال الصدقة ، وروي في خبر آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لصاحب الحق اليد واللسان ) رواه محمد بن الحسن ، وقال : ( في اليد اللزوم وفي اللسان الاقتضاء ) وحدثنا من لا أتهم في الرواية قال : أخبرنا محمد بن إسحاق قال : حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا إبراهيم بن حمزة قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن عمرو بن أبي عمر ، عن
578
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 578