نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 574
غير دلالة . فإن قيل لما كان قوله تعالى : ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) غير مكتف بنفسه في إفادة الحكم وكان متضمنا لما قبله ، وجب أن يكون حكمه مقصورا عليه . قيل : هو كلام مكتف بنفسه لما في فحواه من الدلالة على معناه ، وذلك لأن ذكر الإعسار والإنظار قد دل على دين تجب المطالبة به ، والإنظار لا يكون إلا في حق قد ثبت وجوبه وصحت المطالبة به إما عاجلا وإما آجلا ، فإذا كان في مضمون اللفظ دلالة على دين يتعلق به في حكم الإنظار إذا كان ذو عسرة ، كان اللفظ مكتفيا بنفسه ووجب اعتباره على عمومه ولم يجب الاقتصار به على الربا دون غيره . وزعم بعض الناس ممن نصر هذا القول الذي ذكرناه أن هذا لا يجوز أن يكون في الربا ، لأن الله تعالى قد أبطله ، فكيف يكون منظرا به ؟ قال : فالواجب أن تكون الآية عامة في سائر الديون . وهذا الحجاج ليس بشئ ، لأن الله تعالى إنما أبطل الربا وهو الزيادة المشروطة ولم يبطل رأس المال ، لأنه قال : ( وذروا ما بقي من الربان ) والربا هو الزيادة ، ثم قال : ( وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم ) ثم عقب ذلك بقوله : ( وإن كان ذو عسرة ) يعني سائر الديون ، ورأس المال أحدها ، وإبطال ما بقي من الربا لم يبطل رأس المال ، بل هو دين عليه يجب أداؤه . فإن قيل : إذا كان الإنظار مأمورا به في رأس المال ، فهو وسائر الديون سواء ، قيل له : إنما كلامنا فيما شمله العموم من حكم الآية ، فإن كان ذلك في رأس مال الربا فلم يتناول غيره من طريق النص وإنما يتناوله من جهة العموم للمعنى ، فيحتاج حينئذ إلى دلالة من غيره في إثبات حكمه ورده إلى المذكور في الآية بمعنى يجمعهما ، وليس الكلام بينك وبين الخصم من جهة القياس ، وإنما اختلفتما في عموم الآية وخصوصها ، والكلام في القياس ورد غير المذكور إلى المذكور مسألة أخرى . وقوله تعالى : ( وإن تبتم فلكم رؤس أموالكم ) قد اقتضى ثبوت المطالبة لصاحب الدين على الدين على المدين وجواز أخذ رأس مال نفسه منه بغير رضاه ، لأنه تعالى جعل اقتضاءه ومطالبته من غير شرط رضى المطلوب ، وهذا يوجب أن من له على غيره دين فطالبه به فله أخذه منه شاء أم أبى ، وبهذا المعنى ورد الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم حين قالت له هند : إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي ، فقال : ( خذي من مال أبي سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف ) فأباح لها أخذ ما استحقته على أبي سفيان من النفقة من غير رضى أبي سفيان . وفي الآية دلالة على أن الغريم متى امتنع من أداء الدين مع الإمكان كان ظالما ، ودلالتها على ذلك من وجهين ، أحدهما : قوله تعالى : ( وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم )
574
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 574