نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 547
رآهم على حال الاستقامة والبصائر الصحيحة والحرص على جهاد الكفار خشي عليهم الفتنة ، وكانت بلاد الشام بلاد الطاعون مشهور ذلك بها ، أحب أن يكون موتهم على الحال التي خرجوا عليها قبل أن يفتتنوا بالدنيا وزهرتها . وقال آخرون : قد كان النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( فناء أمتي بالطعن والطاعون ) يعني عظم الصحابة ، وأخبر أن الله سيفتح البلاد بمن هذه صفته ، فرجا أبو بكر أن يكون هؤلاء الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر عن حالهم ، ولذلك لم يجب أبو عبيدة الخروج من الشام ، وقال معاذ : لما وقع الطاعون بالشام وهو بها قال : اللهم أقسم لنا حظا منه ! ولما طعن في كفه أخذ يقبلها ويقول : ما يسرني بها كذا وكذا ! وقال : لئن كنت صغيرا فرب صغير يبارك الله فيه ! أو كلمة نحوها ، يتمنى الطاعون ليكون من أهل الصفة التي وصف النبي صلى الله عليه وسلم بها أمته الذين يفتح الله بهم البلاد ويظهر بهم الاسلام . وفي هذه الآية دلالة على بطلان قول من أنكر عذاب القبر وزعم أنه من القول بالتناسخ ، لأن الله أخبر أنه أمات هؤلاء القوم ثم أحياهم ، فكذلك يحييهم في القبر ويعذبهم إذا استحقوا ذلك . وقوله تعالى : ( وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم ) وهو أمر بالقتال في سبيل الله . وهو مجمل إذ ليس فيه بيان السبيل المأمور بالقتال فيه ، وقد بينه في مواضع غيره ، وسنذكره إذا انتهينا إليه إن شاء الله تعالى . وقوله تعالى : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) إنما هو استدعاء إلى اعمال البر والإنفاق في سبيل الله بألطف الكلام وأبلغه ، وسماه قرضا هو تأكيد لاستحقاق الثواب به ، إذ لا يكون قرضا إلا والعوض مستحق به ، وجهلت اليهود ذلك أو تجاهلت لما نزلت هذه الآية فقالوا : إن الله يستقرض منا ، فنحن أغنياء وهو فقير إلينا ! فأنزل الله تعالى : ( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ) [ آل عمران : 81 ] وعرف المسلمون معناه ووثقوا بثواب الله ووعده وبادروا إلى الصدقات ، فروي أنه لما نزلت هذه الآية جاء أبو الدحداح إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ألا ترى ربنا يستقرض منا مما أعطانا لأنفسنا ؟ وإن لي أرضين إحداهما بالعالية والأخرى بالسافلة وإني قد جعلت خيرهما صدقة . وقوله تعالى : ( إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ) الآية ، يدل على أن الإمامة ليست وارثة ، لإنكار الله تعالى عليهم ما أنكروه من التمليك عليهم من ليس من أهل النبوة ولا الملك وبين أن ذلك مستحق بالعلم والقوة لا بالنسب . ودل ذلك أيضا على أنه لا حظ للنسب مع العلم وفضائل النفس وأنها مقدمة عليه ، لأن
547
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 547