نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 548
الله أخبر أنه اختاره عليهم لعلمه وقوته وإن كانوا أشرف منه نسبا . وذكره للجسم ههنا عبارة عن فضل قوته ، لأن في العادة من كان أعظم جسما فهو أكثر قوة ، ولم يرد بذلك عظم الجسم بلا قوة ، لأن ذلك لا حظ له في القتال ، بل هو وبال على صاحبه إذا لم يكن ذا قوة فاضلة . قوله عز وجل : ( فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف ) يدل على أن الشرب من النهر إنما هو الكرع فيه ووضع الشفة عليه ، لأنه قد كان حظر الشرب وحظر الطعم منه إلا لمن اغترف غرفة بيده . وهذا يدل على صحة حديث قول أبي حنيفة فيمن قال ( إن شربت من الفرات فعبدي حر ) أنه على أن يكرع فيه ، وإن اغترف منه أو شرب بإناء لم يحنث ، لأن الله قد كان حظر عليهم الشرب من النهر وحظر مع ذلك أن يطعم منه واستثنى من الطعم الاغتراف ، فحظر الشرب باق على ما كان عليه ، فدل على أن الاغتراف ليس بشرب منه . قوله تعالى : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) روي عن الضحاك والسدي وسليمان بن موسى إنه منسوخ بقوله تعالى ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين ) [ التوبة : 73 ] وقوله تعالى : ( فاقتلوا المشركين ) [ التوبة : 5 ] . وروي عن الحسن وقتادة أنها خاصة في أهل الكتاب الذين يقرون على الجزية دون مشركي العرب ، لأنهم لا يقرون على الجزية ولا يقبل منهم إلا الاسلام أو السيف ، وقيل : إنها نزلت في بعض أبناء الأنصار ، كانوا يهودا فأراد آباؤهم إكراههم على الاسلام ، وروى ذلك عن ابن عباس وسعيد بن جبير . وقيل فيه : أي لا تقولوا لمن أسلم بعد حرب إنه أسلم مكرها ، لأنه إذا رضي وصح إسلامه فليس بمكره . قال أبو بكر : ( لا إكراه في الدين ) أمر في صورة الخبر ، وجائز أن يكون نزول ذلك قبل الأمر بقتال المشركين ، فكان في سائر الكفار كقوله تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) [ فصلت : 34 ] وكقوله تعالى : [ ادفع بالتي هي السيئة ) [ المؤمنون : 96 ] وقوله تعالى : ( وجادلهم بالتي هي أحسن ) [ النحل : 125 ] وقوله تعالى : ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) [ الفرقان : 63 ] فكان القتال محظورا في أول الاسلام إلى أن قامت عليهم الحجة بصحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما عاندوه بعد البيان أمر المسلمون بقتالهم ، فنسخ ذلك عن مشركي العرب بقوله تعالى : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) [ التوبة : 5 ] وسائر الآي الموجبة لقتال أهل الشرك ، وبقي حكمه على أهل الكتاب إذا أذعنوا بأداء الجزية ودخلوا في حكم أهل الاسلام وفي ذمتهم . ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل من المشركين العرب إلا الاسلام
548
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 548