نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 384
الثاني هي تابعة له حكمها حكمه ، وليس حكمها حكم الذي بعدها ، ألا ترى أنه لو ترك الرمي في اليوم الأول رماه في ليلته ولم يكن مؤخرا له عن وقته ؟ لأنه عليه السلام رخص للرعاة أن يرموا ليلا ، فكان حكم الليلة حكم اليوم الذي قبلها ولم يكن حكمها حكم الذي بعدها ، فلذلك قالوا : إن إقامته في اليوم الثاني بمنى إلى أن يمسي بمنزلة إقامته بها نهارا ، وإذا أقام حتى يصبح من اليوم الثالث لزمه الرمي بلا خلاف . وهذا مما يستدل به على صحة قول أبي حنيفة في تجويزه رمي اليوم الثالث قبل الزوال ، إذ قد صار وقتا للزوم الرمي ، ويستحيل أن يكون وقتا لوجوبه ثم لا يصح فعله فيه . وأما قوله تعالى : ( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى ) فإنه قد قيل فيه وجهان : أحدهما : فلا إثم عليه لتكفير سيئاته وذنوبه بالحج المبرور ، وروي نحوه عن عبد الله بن مسعود ، ومثله ما روي عن النبي عليه السلام أنه قال : ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ) . والوجه الثاني : أنه لا مأثم عليه في التعجيل ، وروي نحوه عن الحسن وغيره ، وقال : ( ومن تأخر فلا إثم عليه ) لأنه مباح له التأخير . وقوله : ( لمن اتقى ) يحتمل لمن اتقى ما نهى الله عنه في الإحرام بقوله : ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) وإن لم يتق فغير موعود بالثواب . قوله تعالى : ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ) الآية . قال أبو بكر : فيه تحذير من الاغترار بظاهر القول وما يبديه من حلاوة المنطق والاجتهاد في تأكيد ما يظهره فأخبر الله تعالى أن من الناس من يظهر بلسانه ما يعجبك ظاهره ( ويشهد الله على ما في قلبه ) وهذه صفة المنافقين ، مثل قوله تعالى : ( قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ) [ المنافقون : 1 ] ( اتخذوا أيمانهم جنة ) [ المجادلة : 6 ] وقوله : ( وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم ) [ المنافقون : 4 ] فأعلم الله تعالى نبيه ضمائرهم لئلا يغتر بظاهر أقوالهم ، وجعله عبرة لنا في أمثالهم لئلا نتكل على ظاهر أمور الناس وما يبدونه من أنفسهم . وفيه الأمر بالاحتياط فيما يتعلق بأمثالهم من أمور الدين والدنيا ، فلا نقتصر فيما أمرنا بائتمان الناس عليه من أمر الدين والدنيا على ظاهر حال الانسان دون البحث عنه . وفيه دليل على أن عليه استبراء حال من يراد للقضاء والشهادة والفتية والإمامة ، وما جرى مجرى ذلك في أن لا يقبل منهم ظاهرهم حتى يسأل ويبحث عنهم ، إذ قد حذرنا الله تعالى أمثالهم في توليتهم على أمور المسلمين ، ألا ترى أنه عقبه بقوله : ( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل ) ؟ فكان ذكر التولي في هذا الموضع إعلاما لنا أنه غير جائز الاقتصار على ظاهر ما يظهره دون الاستبراء لحاله من غير جهته .
384
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 384