نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 281
وأما قول من قال : ( إنه يأكل شاكا من غير اعتبار منه بحال إمكان التبين في حال طلوعه أو تعذر ذلك عليه ) فذلك إغفال منه ، لأن ضريرا لو كان في موضع ليس بحضرته من يعرفه طلوع الفجر لم يجز له الإقدام على الأكل بالشك وهو لا يأمن أن يكون قد أصبح ، وكذلك من كان في بيت مظلم لا يأمن من طلوع الفجر لم يجز له الإقدام على الأكل بالشك ، فإن أجاز هذا وألغى الشك لزمه إلغاء الشك في كل موضع والإقدام على كل ما لا يأمن أن يكون محظورا من وطء أو غيره ، وفي استعمال ذلك مخالفة لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من اجتناب الشبهات وترك الريب إلى اليقين ومخالفة إجماع المسلمين ، لأنهم لا يختلفون أنه غير جائز له الإقدام على وطء امرأة لا يعرفها وهو شاك في أنها زوجته ، وكذلك من طلق إحدى نسائه بعينها ثلاثا ونسيها فغير جائز له الإقدام على وطء واحدة منهن باتفاق الفقهاء إلا بعد العلم بأنها ليست المطلقة . وأما القول بإيجاب القضاء على من أكل شاكا في الفجر ، فإنه لا يبيح له الإقدام على المشكوك فيه فكذلك لا يوجب عليه القضاء بالشك ، لأنه إذا كان الأصل براءة الذمة من الفرض فلا جائز إلزامه بالشك . والذي تضمنته هذه الآية من الحكم من عند قوله : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) إلى قوله : ( من الخيط الأسود من الفجر ) نسخ تحريم الجماع والأكل والشرب في ليالي الصوم بعد العتمة أو بعد النوم . وفيها الدلالة على نسخ السنة بالقرآن ، لأن الحظر المتقدم إنما كان ثبوته بالسنة لا بالقرآن ، ثم نسخ بالإباحة المذكورة في القرآن . وفيها الدلالة على أن الجنابة لا تنافي صحة الصوم ، لما فيه من إباحة الجماع من أول الليل إلى آخره مع العلم بأن المجامع في آخر الليل إذا صادف فراغه من الجماع طلوع الفجر يصبح جنبا ، ثم حكم مع ذلك بصحة صومه بقوله : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) . وفيها حث على طلب الولد بقوله : ( وابتغوا ما كتب الله لكم ) مع تأويل من تأوله واحتمال الآية له . وفيها الدلالة على أن ليلة القدر في رمضان ، لأن ابن عباس قد تأوله على ذلك ، فلولا أنه محتمل له لما جاز أن يتأوله عليه . وفيها الندب إلى الترخص برخصة الله لتأويل من تأوله على ما بينا فيما سلف وفيها الدلالة على أن آخر الليل إلى طلوع الفجر الثاني بقوله : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) إلى قوله : ( حتى يتبين لكم ) فثبت أن الليل إلى طلوع الفجر وأن ما بعد طلوعه فهو من النهار . وفيها الدلالة على إباحة الأكل والشرب والجماع إلى أن يحصل له الاستبانة واليقين بطلوع الفجر ، وأن الشك لا يحظر عليه ذلك ، إذ غير جائز وجود الاستبانة مع الشك ، وهذا فيمن يصل إلى الاستبانة وقت طلوعه ، وأما من لا يصل
281
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 281