أول من اتعظ ، فإذا نزلت فليأتيني أشرافكم فليردّوني برأيهم ، فواللّه لو ردني إلى الحق عبد لاتبعته ، وما عن اللّه مذهب إلاّ إليه . فسرَّ الناس بخطبته واجتمعوا إلى بابه مبتهجين بما كان منه . ترى هل صدق وعده وهل تكلم بنية خالصة ، وقلب نزيه وايمان محكم ؟ وهل عاهد اللّه على ما فاه به ؟ وهل سيغضي عنه هؤلاء الأشرار الذين أفسدوا عليه أمره ؟ ذلك ما تكذبه الحوادث المؤسفة التالية ويظهر منها أنه كان يكن في نفسه غير ما نطق به ، وانه أرغم المسلمين بزعامته ، كما أرغمهم بأقواله وأعماله ، وانه خرج إلى أقصى حد عن نطاق الدين والوجدان والمنطق والانصاف ، وانه كان يتحين الفرص للوقيعة بأهل المدينة الذين اتهمهم بالكفر ، ومن هم أهل المدينة سوى الصحابة من المهاجرين والأنصار والعشرة المبشرة والبقية الباقية من أعضاء الشورى ، والبدريون . وأبى على الكل عملاً أن يعتزل أو يبعد المتآمرين معه أو يعطيهم حقهم من القصاص من نفسه أو من مروان كاتبه البغيض اللعين الوزغ ابن الوزغ على لسان رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله ) ، أو حتى من عبده الذي رمى الصحابي العظيم ، الذي خاطب عثمان من خارج داره من المتجمهرين بغية اصلاح الأمر ، فرماه مملوكه فقتله وطلبوا تسليمه للمحاكمة فأبى ، كل تلك مر قسم منها باسنادها . نعم حينما كتب عثمان عهده وخطب بعدها بالناس كما مر ، ابتهج الناس واجتمعوا بدار خليفتهم شكراً وامتناناً ووداعاً يطلبون توديعه وابداء الامتنان والشكر . وإذا بالمجرم والبؤرة النفاقية لهذه الفتنة مروان يخرج إليهم ويزجرهم قائلاً : شاهت وجوهكم ، ما اجتماعكم ، أمير المؤمنين مشغول عنكم ، فإذا احتاج إلى أحد منكم فسيدعوه فانصرفوا . وعن الطبري : أن عثمان لما خطب الناس خطبته بعد كتابة العهد لم يحضرها