بالعهد ، وبعد أن أخضع الجميع بدرته وصلابته ، وقد ساعدته على ذلك الفتوحات والغنائم والتوسع وانشغال الصحابة من مهاجرين وأنصار ، وقد عمل الخليفة الأول والثاني كما وجدنا كثيراً من الأخطاء بيد أن الأمر المهم انهما حافظا إمام المسلمين على الظواهر ، فلم يقدم الأول طائفته على الأغيار ، فهو وإن كانت تيم لا تعد في العدة والعدد كبني عبد مناف ، بيد كان فيهم أمثال طلحة الذي كان بامكانه أن يسند له مقاماً مرموقاً يؤهله للمستقبل ولكننا نراه يجمع حوله مجموعة من الانتهازيين ، أمثال بني أمية وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد وإضرابهم ، الذين يهمهم أمر الدنيا أضعاف مضاعفة ما يهمهم أمر هذا الدين . وأما عمر فسار على إثره وتابع الخطى وأضاف صرامته وحذره . أما عثمان وقد تنبأ عمر أنه سيقدم بني أمية وآل معيط ، وعندها يسخط عليه المسلمون ويقتلوه ، فقد كان أشد مما تنبأ ، فقد بدأ عثمان بادخال بني أمية وبني معيط ، أولئك الطلقاء المنبوذين الطرداء الملاعين ، وتقديم أموال المسلمين لهم ، وتسليطهم على رقاب المسلمين ، وأخص على المهاجرين والأنصار ، أولئك الذين فيهم من هو أقرب إلى رسول اللّه من عثمان نفسه ، وأكثر سابقة وأعلم وأتقى وأشجع وزاد هؤلاء إرهاقهم للمسلمين ، وكلما تظلموا لعثمان نقم على المتظلم وحفز الظالم على تعذيبه وتأنيبه وضربه وحرمانه ونفيه ، وربما قتله . هذا الذي لم يسبق للأمة الاسلامية مثيله في عهد الخليفتين ، ولكما ضج صحابي كبير مهما كان مقامه ومهما بلغت درجته ، فلا نرى من عثمان سوى زجره وتهديده وشتمه ونفيه . وقد مر بنا ما جرى لأبي ذر وعبد اللّه بن مسعود وعمار من الصحابة ، وحتى لأعضاء الشورى ، وحتى لعبد الرحمن بن عوف ، الذي هو الفرد الأوحد الذي اسند له الخلافة وهدد علياً بالقتل إن لم يبايع عثماناً ، حتى ندم وحث المسلمين