الاستيعاب مما أخرجه أبو عمر ، قال : جاء ناس إلى ابن عباس فقالوا : جئناك نسألك ، فقال : سلوا عما شئتم ، فقالوا : أي رجل كان أبو بكر ؟ فقال : كالخير كله على حده كانت فيه . قالوا : فأي رجل كان عمر ؟ قال : كان كالطائر الخور الذي يظن أن له في كل طريق شركاً . قالوا : فأي رجل كان عثمان ؟ قال : رجل آلهته نومته عن يقظته . قالوا فأي رجل كان علي ؟ قال : كان قد ملئ جوفه حكماً وعلماً وبأساً ونجدة مع قرابته من رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله ) ، وكان يظن أن لا يمد يده إلى شيء إلاّ ناله ، فما مد يده إلى شيء فناله . والذي يهمنا هنا إنما هو نظر ابن عباس المجمل في عثمان دون غيره ، فماذا يقصد عن نومة عثمان سوى غفلته بما جلب له حب آل أمية وآل بني معيط ؟ والحب يعمي ويصم ، فترك كل شيء في أيديهم ونام نومته التي ما كاد ينتبه بها إلاّ وعاد وله مروان ومعاوية وسعد والوليد والحكم وأبو سفيان لاغفاله واعراضه ، وتلاعبهم بالأمة الاسلامية والفتك بصلحاء الأمة وتقديم الأشقياء ، مما سبب التفرقة والوهن والضعف المعنوي والخلقي إلى يومنا هذا . وان من تكن صفته هذه بنظر ابن عباس هل يجوز أن يكون خليفة للمسلمين ؟ وإقامة الحدود ونصوص الكتاب والسنّة وولاة الأمر من الفجرة الأذناب والمنافقين المستهترين ؟ وهل تدل سيرة وإدارة الخليفة وانتخاب أمثال هؤلاء العمال سوى على صفة الخليفة ؟ فالعمل صفة العامل ، والإدارة صفة المدير ، كما الكلام صفة المتكلم ، وإلاّ كيف تعبّر عن عثمان صفة تركه خيرة الصحابة وأتقاهم وأنزههم وأعلمهم وأشدهم حرصاً على سلامة الأمة والدين ، وانحيازه إلى أعداء الاسلام من الطلقاء والملاعين الطرداء من رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله ) ، وترك نفسه ألعوبة بيدهم يفعلون ما يشاؤون ، وويل لمن اعترض عليهم ، حيث وصمه بالفتنة والخيانة ، والكفر والزندقة والارتداد .