ثم تكلم عمار مغضباً فقال : لا أنس اللّه من أوحشك ، ولا آمن من أخافك ، أما واللّه لو أردت دنياهم لأمّنوك ، ولو رضيت أعمالهم لأحبّوك ، وما منع الناس أن يقولوا بقولك إلاّ الرضا بالدنيا والجزع من الموت ، ومالوا إلى ما مال سلطان جماعتهم عليه ، والملك لمن غلب ، فوهبوا لهم دينهم ومنحهم القوم دنياهم ، فخسروا الدنيا والآخرة ، ألا ذلك هو الخسران المبين . فبكى أبو ذر ( رحمه الله ) ، وكان شيخاً كبيراً وقال : رحمكم اللّه يا أهل بيت الرحمة ، إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول اللّه ، ما لي بالمدينة سكن ولا شجن غيركم ، اني ثقلت على عثمان بالحجاز كما ثقلت على معاوية بالشام ، وكره أن أجاور أخاه وابن خاله بالمصرين ( اللعين عبد اللّه بن سعيد بن أبي سرح أخا عثمان من الرضاعة والي مصر ، وعبد اللّه بن عامر ابن خاله بالبصرة ) فأفسد الناس عليها فسيرني إلى بلد ليس لي به ناصر ولا دافع إلاّ اللّه ، واللّه ما أريد إلاّ اللّه صاحباً ، وما أخشى مع اللّه وحشة . ورجع القوم إلى المدينة ، فجاء علي إلى عثمان فقال له : ما حملك على رد رسولي وتصغير أمري ؟ فقال علي : أما رسولك فأراد أن يرد وجهي فرددته ، وأما أمرك فلم أصغّره ، قال : أما بلغك نهيي عن كلام أبي ذر ؟ قال : أوكلّما أمرت بأمر معصية أطعناك فيه ؟ قال عثمان : أقد مروان من نفسك . قال : ممّ ذا ؟ قال : من شتمه وجذب راحلته . قال : أما راحلته فراحلتي بها ، وأما شتمه إيّاي فواللّه لا يشتمني شتمة إلاّ شتمتك مثلها لا أكذب عليك . فغضب عثمان ، وقال : لم لا يشتمك . كأنك خير منه ، قال علي : أي واللّه ومنك . ثم قام فخرج فأرسل عثمان إلى وجوه المهاجرين والأنصار وإلى بني أمية يشكو إليهم علياً ، فقال القوم : أنت الوالي عليه واصلاحه أجمل . قال : وددت