نام کتاب : مستدركات أعيان الشيعة نویسنده : حسن الأمين جلد : 1 صفحه : 54
وثنائه ، فسجل فيما سجل من الأحداث هذه الحادثة : هذا المؤرخ هو عماد الدين الأصفهاني صاحب كتاب الفتح القسي في الفتح القدسي ، والذي كان بمثابة ( سكرتير ) شخصي لصلاح الدين . [1] وفوق هذا ما ذا فعل صلاح الدين ؟ لقد اعتبر البلاد التي يحكمها مزرعة له فتصرف فيها تصرف المالكين للمزارع والقرى ، فلم يكتف بان سلم قسما منها للأعداء ، ولم يكتف بان آثر الانفصال وخشي الوحدة ، بل أراد أن يثبت بالفعل أن ما تحت يده من اجزاء الوطن هو ملك شخصي له ، وأنه يجب أن يكون بهذه المثابة من بعده ، فقسمه بين ورثته ، واكتفي هنا بنقل عبارة صاحب كتاب ( الأعلاق الخطيرة ) وهو من أخلص المخلصين لصلاح الدين ، فقد قال في الصفحة 58 في السطر الخامس عشر ما نصه « . . . فرق البلاد بين أولاده وأقاربه ، فاعطى الشام لولده الملك الأفضل . . » إلى آخر ما قال . ومع أن الخطر الصليبي كان لا يزال جاثما على صدر البلاد يهددها في كل ساعة ، ومع أن هذا مما يوجب حشد القوى وتجمعها ، ويوجب لا تمزيق مملكة صلاح الدين بل ضمها إلى سلطة الخلافة في بغداد ، أو على الأقل الاحتفاظ بها سليمة متماسكة ، فان صلاح الدين « فرقها بين أولاده وأقاربه » معتمدا على الهدنة التي عقدها مع الصليبيين مسلما لهم البلاد مقرا لهم باحتلالهم معترفا لهم بدولتهم . وهكذا فلم يكد يموت صلاح الدين حتى تقاسم بنوه وأقاربه ملكه واستقل كل واحد بما أوصى به صلاح الدين ، ومهدوا بذلك للصليبيين أن يحتلوا البلاد من جديد . بل اقدموا على ارتكاب الخيانات العظمى ، فان الكامل والأشرف ولدي العادل أخي صلاح الدين سلما القدس وما حولها للملك الصليبي فريدريك الثاني وسلماه معها الناصرة وبيت لحم وطريقا يصل القدس وعكا وذلك سنة 625 ه 18 شباط سنة 1229 م . ويصف ابن الأثير وقع هذه الرزية على العالم الإسلامي بقوله : « واستعظم المسلمون ذلك وأكبروه ووجدوا له من الوهن والتألم ما لا يمكن وصفه » . وهكذا يسقط قول الدكتور مصطفى زيادة والدكتور زكي محاسني حيث يقول الأول أن وقعة حطين كانت فاصلة في الحروب الصليبية ، وحيث يقول الثاني : ( ان صلاح الدين أزال من على رقعة الشرق العربي ظل الصليبية ) . . . وكيف يكون ظل الصليبية قد زال وصلاح الدين يسلم البلاد للصليبيين يدا بيد ، والصليبية تعود لاحتلال القدس بخيانة ولدي أخيه ؟ ! . وأقرباء صلاح الدين الذين قسم البلاد بينهم لم تكن هذه الخيانة خيانتهم الوحيدة ، ففي العام 638 سلم الصالح إسماعيل الأيوبي صاحب دمشق للصليبيين صيدا وهونين وتبنين والشقيف فيما سلم لهم البلاد ليساعدوه على ابن أخيه الصالح أيوب صاحب مصر . إذن فظل الصليبية لم يزله صلاح الدين ، بل ساعد على امتداده بامتناعه عن قبول دخول الجيوش العراقية إلى فلسطين لمساعدته ، وفي عقده للهدنة المشئومة مع الصليبيين وفي تسليمه لهم البلاد سلما وبدون قتال وفي تقطيعه أوصال الوطن بتوريثه البلاد لأقربائه كما يورث الملك الشخصي وتفريقها بينهم . وهناك شيء آخر في سيرة صلاح الدين هو طريقة معاملته الشعب ، وهذا الموضوع نترك الكلام عنه للدكتور حسين مؤنس حيث قال في العدد 462 من مجلة الثقافة كما نقلت ذلك مجلة الحج في الجزء الثامن من السنة الخامسة عشرة : « كانت مشاريعه ومطالبه متعددة لا تنتهي فكانت حاجته للمال لا تنتهي ، وكان عماله من أقسى خلق الله على الناس ، ما مر ببلدة تاجر إلا قصم الجباة ظهره ، وما بدت لأي إنسان علامة من علامات اليسار إلا أنذر بعذاب من رجال السلطان . وكان الفلاحون والضعفاء معه في جهد ، ما أينعت في حقولهم ثمرة إلا تلقفها الجباة ، ولا بدت سنبلة قمح إلا استقرت في خزائن السلطان حتى املق الناس في أيامه وخلفهم على أبواب محن ومجاعات حصدت الناس حصدا » . هذا مع العلم أن الدكتور حسين مؤنس من المتحمسين لصلاح الدين ولكنه لم يستطع إخفاء هذه الحقيقة . هذه الحقائق القاسية نرجو أن تتقبلها الصدور بصبر ، لأن التاريخ الصحيح لا يرحم ، ولأننا حين نؤمن بحقيقة نرى أن من أفظع الاجرام أن لا نعلنها مهما كان في إعلانها من مصادمة لما تواضع الناس على الأخذ به على أنه من الحق وهو من صميم الباطل . وفي العام 564 هكان الفرنج الصليبيون يهددون مصر ويتحفزون للوثوب عليها بعد أن خبروا أحوالها قبل ذلك في احداث ليس هذا مكان سرد تفاصيلها ، وكانت الخلافة الفاطمية في مصر لا تبدو بالقوة الكافية إذ كانت قواها قد استنفد معظمها في مقارعة الصليبيين برا وبحرا ، وفي إخماد الفتن ، فرأى الخليفة الفاطمي ( العاضد ) أن لا قبل لمصر بمدافعة الفرنج فتجلت وطنيته على أبرز صورها ، فتناسى ما بينه وبين الآخرين من أوتار وتجاهل ما يحملونه له من عداوة وشنان ، وأغضى على ما طالما بيتوه له ولأسرته من تامر وصمم على الاستنجاد بالقوى الإسلامية خارج مصر مهما كان في هذا الاستنجاد من مخاطر عليه وعلى أسرته ، ورأى أن أقرب القوى إليه في الشام وفيها نور الدين محمود بن عماد الدين ، زنكي . . وكان الفرنج قد زحفوا على عسقلان حتى وصلوا إلى بلبيس فاحتلوها وفتكوا بأهلها ، ثم مشوا إلى القاهرة وحاصروها ، فتقرر إحراق المدينة [2] خوفا عليها من الإفرنج فأحرقت وظلت النار تعمل فيها أربعة وخمسين يوما ، فكرر العاضد الاستنجاد بنور الدين وأرسل في الكتب شعور نسائه وقال : هذه شعور نسائي من قصري يستغثن بك لتنقذهن من الفرنج . [3] وكان قد سبق لنور الدين أن أرسل إلى مصر في نوبتين كلا من أسد الدين شير كوه وابن أخيه صلاح الدين لأسباب لا مجال لذكرها الآن ، فطلب العاضد أن يعود أسد الدين نفسه بحملة على مصر وأعلن أنه يتنازل سلفا لنور الدين ولأسد الدين عن كثير مما تحت يده . فقرر نور الدين تلبية الطلب فأرسل حملة
[1] الصفحة 176 طبع مطبعة الاتحاد بالقاهرة . [2] هي التي عرفت بالفسطاط وتوابعها . [3] كتاب الروضتين ( الجزء الأول - القسم الثاني ) الصفحة 391 من طبعة 1962 وصاحب هذا الكتاب مملوء تعصبا ولؤما على الفاطميين ولكنه لم يستطع انكار هذه الحقيقة . والفضل ما شهدت به الأعداء .
54
نام کتاب : مستدركات أعيان الشيعة نویسنده : حسن الأمين جلد : 1 صفحه : 54