نام کتاب : مستدركات أعيان الشيعة نویسنده : حسن الأمين جلد : 1 صفحه : 53
العاضد . ولما كانت احداث خلافة العاضد من الأحداث المهمة في التاريخ وبه انتهت خلافة الفاطميين مما تتطلع لمعرفته نفوس القراء ولا يجوز الاكتفاء بمجرد ذكر ( العاضد ) ، رأينا أن نضيف في هذا المستدرك ذكر الأحداث التي وقعت في خلافة العاضد ، ثم ذكر ولاية صلاح الدين الأيوبي وزارة العاضد ، ثم انهائه لخلافة الفاطميين ، ثم حقيقة سيرة صلاح الدين ، وهي حقيقة موهت عمدا وأخفيت عن انظار قراء التاريخ مما يراه القاري في الصفحات التالية : في المقال الذي كتبه الدكتور زكي المحاسني في العدد الممتاز من العرفان ، أشاد بموقعة حطين وأشاد أي إشادة بصلاح الدين الأيوبي . ولما كنت موقنا أن صلاح الدين من رجال التاريخ الذين أعطوا ما لا يستحقون ، لذلك رأيت من واجبي خدمة للحقيقة أن أكتب هذه الكلمة متحملا مسئولية ما تضمنته من رأي يخالف رأي الجمهور ، وما اتفق السواد الأعظم على الاعتقاد به . فحقائق التاريخ لا يصح التسامح بها ، ولا يجوز الجبن في إظهارها مهما كان الشائع قويا والمعتقد ( بفتح القاف ) منتشرا . يقول الدكتور في بعض أوصافه لصلاح الدين ( انه بطل الخلاص العميم ) . ويقول أيضا : ( أنه أزال من على رقعة الشرق العربي ظل الصليبية . إلى غير ذلك من الأقوال . والدكتور المحاسني ليس وحده القائل ، بل أن كل الكتاب يقولون مثل هذا وأكثر من هذا . فقد قال مثلا الدكتور مصطفى زيادة في مقال له أن معركة حطين كانت الفاصلة في تاريخ الحروب الصليبية في حين أنه يعلم أن الفرنج ظلوا أكثر من قرن يحتلون البلاد بعد تلك المعركة وان القدس عادت صليبية الحكم بعد فترة غير طويلة من معركة حطين . الواقع أن حياة صلاح الدين تقسم إلى أقسام ، كان صلاح الدين في بعضها محاربا حقا فهو الذي حقق النصر في معركة حطين . والأقسام الأخرى من حياة صلاح الدين تناقض هذا القسم تمام المناقضة ، ولقد نسي بعض الناس حقيقة صلاح الدين ، ولم يذكروا الا دورا واحدا من أدوار حياته . وذلك لعوامل لا أحب الآن ذكرها . فما هي حقيقة صلاح الدين . لقد انتصر صلاح الدين في حطين وحرر القدس ، وكان المفروض أن يتابع الكفاح حتى تتحرر البلاد كلها ، ولكن صلاح الدين لم يفعل شيئا من ذلك ، بل فعل العكس تماما ، فأقدم على أمر لا أدري كيف يتجاهله كتابنا ، وكيف يسقطونه من حسابهم وهم يتحدثون عن صلاح الدين . لقد فضل صلاح الدين في هذا الدور من حياته الراحة على الجهاد ، وآثر الاستسلام للفرنج على مقاتلتهم ، بل فعل أكثر من ذلك ، لقد سلمهم البلاد سلما بلا قتال . نعم سلمهم البلاد والعباد سلما بلا قتال . ففي 21 شعبان سنة 588 عقد صلاح الدين هدنة مع الصليبيين سلمهم بها حيفا وقيسارية ونصف اللد ونصف الرملة وغير ذلك ، حتى لقد صار لهم من يافا إلى قيسارية إلى عكا إلى صور ولم يكن لهم ذلك من قبل . يقول ابن شداد في كتابه ( الاعلاق الخطيرة في أمراء الشام والجزيرة ) وهو يتحدث عن حيفا ( ص 177 - 178 ) « لم تزل في أيدي الفرنج إلى أن فتحها الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب سنة ثلاث وثمانين ، فلم تزل في يده إلى أن نزل عنها للفرنج فيما نزل عنه لهم في المهادنة التي وقعت بينه وبينهم ، وذلك سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ، ولم تزل بعد في أيديهم » . وقال وهو يتحدث عن الرملة واللد : ( ص 173 - 184 ) « ولم تزل ( الرملة ) في أيديهم ( الفرنج ) إلى أن ملكها وملك معها ( لد ) الملك الناصر صلاح الدين يوم الأربعاء ثالث شهر رمضان سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة . ولم تزل في يده إلى أن وقعت الهدنة بينه وبين الفرنج في سنة ثمان وثمانين فنزل لهم عن البلاد ، وجعل ( لد ) و ( الرملة ) بينه وبينهم مناصفة » وقال وهو يتحدث عن يافا ( ص 256 ) « ولم تزل في أيديهم ( الفرنج ) إلى أن فتحها عنوة الملك الناصر صلاح الدين سنة ثمان وثمانين وخمسمائة على يد أخيه العادل وخربها وبقيت خرابا إلى أن تقررت الهدنة بين الملك الناصر ( صلاح الدين ) وبين الفرنج وشرطوا عليه إبقاءها في أيديهم » . ويقول الدكتور حسين مؤنس في مقال له في مجلة العربي العدد 149 « تنازل ( صلاح الدين ) للصليبيين عن جزء من الساحل يمتد من صور إلى حيفا » . يقول ذلك ولا يرى فيه شيئا في حين أنه يشنع على الآخرين بالباطل . سلم صلاح الدين كل هذه البلاد للصليبيين وهو المنتصر في معركة حطين وفاتح القدس ، سلمهم ذلك وعقد معهم هدنة ضمن لهم فيها أن لا يهاجمهم ولا يزعجهم مزعج . وأكثر من ذلك فقد كان من رأى الخليفة العباسي الناصر [1] أن يواصل صلاح الدين الكفاح حتى اجلاء الصليبيين عن آخر معقل لهم في بلاد العرب ، وأبدى الناصر استعداده لإمداده بما يحتاج من جيوش جديدة تكفي للقضاء على الصليبيين ، ولكن صلاح الدين رفض وفضل أن يهادن الصليبيين ويسلمهم البلاد . أما السبب في ذلك فلأن صلاح الدين كان لا يريد توحيد البلاد ، وانضواءها تحت لواء واحد يجمع شملها في حكم واحد وسيادة واحدة ، وخشي إن جاءت الجيوش من العراق لإمداده وتم النصر ، أن يصر الناصر على الوحدة معتمدا على قوة الجيش فيصبح هو مرتبطا ببغداد فأثر أن يكون انفصاليا ، وأن يستقل وحده بحكم رقعة من البلاد ، على أن يضم ما تحت يده من بلاد إلى الوحدة الكبرى ، وهكذا تحكمت فيه مطامعه الشخصية وآثرها على المطامح الوطنية ، ورفض تحرير ما لم يتحرر من البلاد ، ثم سلم البلاد للصليبيين . ولقد خشي صلاح الدين أن يصر الناصر على إرسال الجيوش فعزم على مقاومتها ، ولأجل أن يتفرغ لذلك هادن الصليبين وسلمهم البلاد . لسنا نحن الذين نقول ذلك ، بل يقوله رجل من أخلص رجال صلاح الدين ، جعل من نفسه مؤرخا لذلك العصر فصحب صلاح الدين وسجل انتصاراته ووقائعه ، ولم تفته منها شاردة ، وكان صلاح الدين موضع مدحه
[1] هو الخليفة الذي أعاد للخلافة رونقها بقضائه على السلجوقيين المتحكمين بها ، ويصفه الفيلسوف عبد اللطيف البغدادي بأنه ( أحيا هيئة الخلافة وكانت قد ماتت بموت المعتصم ، ثم ماتت بموته ) . ولى الخلافة سنة 575 وهو ابن 23 سنة وظل في الخلافة 46 سنة وعشرة أشهر و 28 يوما .
53
نام کتاب : مستدركات أعيان الشيعة نویسنده : حسن الأمين جلد : 1 صفحه : 53