responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مستدركات أعيان الشيعة نویسنده : حسن الأمين    جلد : 1  صفحه : 253


وقال لعبيد الله :
- « أذكرك الله أيها الأمير ، لا تخفر جواري ، فاني قد أجرته » .
فقال له عبيد الله : « يا منذر ، ليمدحن أباك ويمدحنك ، ولقد هجاني وهجا أبي ، ثم تجيره ؟ . . لا [ ها ] والله لا يكون ذلك ابدا ولا أغفرها له » .
ويقف الشاعر امام عبيد الله ، حين خلا به يعاتبه ، موقفا جريئا صريحا لم يضطرب ، ولم يتخاذل ، ولم يستخذ استخذاء الذليل الجبان ، وقال له في آخر حديث طويل له معه :
- « . . . وقد صرت الآن في يدك ، فاصنع بي ما أحببت » .
فحبسه عبيد الله ، ثم بعث إلى يزيد بن معاوية يسأله ان يأذن له في قتله ، فكتب إليه يزيد يقول :
- « إياك وقتله ، ولكن عاقبه بما ينكله ويشد سلطانك ، ولا تبلغ نفسه ( أي لا تزهق روحه ) » .
فلما ورد كتاب يزيد على عبيد الله ، امر بابن مفرغ ان يسقى نبيذا حلوا قد خلط معه ما يسهل معدته ، فلما أسهلت ، أخذ الشرطة يطوفون به في شوارع البصرة ، وهو في اسهاله ، وقرن بهرة وخنزيرة ، وجعل الصبية يتبعونه ، حتى أضعفه الاسهال ، فسقط ، وأخبر الشرطة ابن زياد ان ابن مفرغ قد صار من الضعف بحيث لا نأمن أن يموت ، فأمر أن يغسل ، فلما اغتسل الشاعر قال يخاطب ابن زياد :
< شعر > يغسل الماء ما فعلت ، وقولي راسخ منك في العظام البوالي < / شعر > . فرده عبيد الله إلى الحبس ، وأخذ يتفنن السجانون في تعذيبه ، ووصلت في هذه الأثناء من عباد بن زياد إلى أخيه عبيد الله جملة من أشعار ابن مفرغ في بني زياد ، فازداد غضبه ، وبعث إلى يزيد بن معاوية ثانية يستاذنه في قتله ، فلم يأذن له ، وحذره أشد التحذير من ذلك ، وأمره أن يعذبه وينكل به ما شاء ولا يبلغ به إزهاق روحه .
ولكن عبيد الله لم يشف غيظه من الشاعر ، على رغم التعذيب والتنكيل ، فبعث به إلى أخيه عباد في سجستان من بلاد خراسان ، ليشفي هذا غيظه منه أيضا ، فلما بلغه ، وكل به رجالا أن يسيروا معه إلى كل مكان كتب على جداره شعرا في هجاء بني زياد ، فيجبروه على ان يمحوه بأظافيره ، فكانوا إذا دخلوا الخانات التي نزلها يوم هرب من خراسان إلى العراق ، ألزموه أن يمحو ما وجدوه مكتوبا من شعره ، فكان يفعل ذلك حتى ذهبت اظافره ، فاخذ يمحوه بعظام أصابعه ودمه ، حتى قطعوا الطريق كله على هذا مرحلة مرحلة ، ثم ردوه إلى عباد فحبسه ، وزاد في تعذيبه ، إلى أن ضجت عشيرته ، وضجت قبائل اليمن وقريش ، وذهبت وفود إلى يزيد بن معاوية في الشام تنذره أن يطلق الشاعر من سجنه في خراسان .
فاضطر يزيد ، ان يستجيب لطلب القوم ، فبعث رجلا من بني أسد يقال له خمخام - وقيل جهنام - إلى عباد ، وأمره ان يذهب إلى الحبس ، فيخرج بابن مفرغ ويطلقه ، قبل ان يعلم عباد ، خشية أن يقتله في السجن اغتيالا ، فلما خرج الشاعر من سجنه قربت إليه بغلة من بغال البريد ، فركبها ، فلما استوى على ظهرها ، قال :
< شعر > عدس ، « 1 » ما « لعباد » عليك إمارة نجوت ، وهذا تحملين طليق فان الذي نجى من الكرب ، بعد ما تلاحم في درب عليك مضيق أتاك بخمخام ، فأنجاك ، فالحقي بأرضك ، لا تحبس عليك طريق < / شعر > ولكن القصة تنتهي بان الدائرة تدور على بني زياد أنفسهم ، فان الشاعر يختار بعد خلاصه من السجن والتعذيب ، أن يقيم في الموصل ، ثم يحدوه الشوق والحنين إلى البصرة ، فيعود إليها ، ولكنه لا يأمن على نفسه فيها أن يدبر له عبيد الله بن زياد مؤامرة ليبطش به ، فيرتحل إلى كرمان يستجير شريكا ابن الأعور ، وكان عاملا عليها ، ويبقى الشاعر هناك حتى تقوم ثورة العراق بقيادة عبد الله بن الزبير ، وتجمع الجماهير في البصرة على قتل عبيد الله بن زياد ، فيهرب هذا ، ويغلب امر ابن الزبير ، فيرجع الشاعر إلى البصرة ، ويعود إلى هجاء بني زياد ، وترى فيه الجماهير مناضلا شارك في هيج الثورة على الاستبداد والطغيان ، فتزداد إقبالا على التغني بهجائه السياسي ، وان كان لا يخلو من الهجاء من فاحش القول ، وها هو ذا يصف هرب عبيد الله من البصرة وتركه أمه فيها ويشمت بمصيره :
< شعر > أعبيد ، هلا كنت أول فارس يوم الهياج دعا بحتفك داع أسلمت أمك للرماح تنوشها يا ليتني لك ليلة الافزاع هلا عجوز إذ تمد بثديها وتصيح ان : لا تنزعن قناعي أنقذت من أيدي العلوج كأنها رمداء مجفلة ببطن القاع فركبت رأسك ، ثم قلت : ارى العدا كثروا ، واخلف موعد الأشياع ليس الكريم بمن يخلف أمه وفتاته في المنزل الجعجاع < / شعر > وها هو ذا الشاعر يذكر عبيد الله أيضا باستبداده ومظالمه :
< شعر > بما قدمت كفاك ، لا لك مهرب إلى اي قوم ، والدماء تصيب فكم من كريم قد جررت جريرة عليه ، فمقبور ، وعان « 2 » يعذب ومن حرة زهراء قامت بسحرة لتبكي قتيلا ، أو فتى يتاوب فصبر ، عبيد ابن العبيد ، فإنما يقاسي الأمور المستعد المجرب وذق كالذي قد ذاق منك معاشر لعبت بهم إذ أنت بالناس تلعب < / شعر > وها هو ذا أيضا لا ينفك يستعرض طغيان عبيد الله وجرائمه :
< شعر > كم يا عبيد الله عندك من دم يسعى ليدركه بقتلك ساع ومعاشر انف ، « 3 » ابحت حريمهم فرقتهم من بعد طول جماع واذكر حسينا « 4 » وابن عروة هانيا وبني عقيل فارس المرباع < / شعر > وكان يوم آخر في التاريخ . . فإذا عبيد الله بن زياد في معركة الزاب بالعراق ، وقد ثار أصحاب المختار بن أبي عبيد يثارون من قتلة الحسين بن علي ، وإذا إبراهيم بن الأشتر يحمل في المعركة على كتيبة عبيد الله ، فتنهزم الكتيبة ، ويتخلف عبيد الله ، فيضربه إبراهيم فيقتله ويرجع إلى أصحابه فيقول :
- اني ضربت رجلا ، فقددته نصفين ، فشرقت يداه ، وغربت رجلاه ، وفاح منه المسك وأظنه ابن مرجانة .
وأوما إبراهيم للقوم إلى موضعه ، فذهبوا إليه ، فوجدوه كما ذكر إبراهيم ، وإذا هو ابن زياد ، وإذا شاعرنا ابن مفرغ يظهر هنا أيضا ويلاحق عبيد الله حتى مصرعه يهجوه .

253

نام کتاب : مستدركات أعيان الشيعة نویسنده : حسن الأمين    جلد : 1  صفحه : 253
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست