responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مستدركات أعيان الشيعة نویسنده : حسن الأمين    جلد : 1  صفحه : 252


من أهاجيه الفاضحة ، فإذا الأسرار تنتشر ، وإذا الشاعر « يكسبهم شرا وعارا » ؟ .
من هذا كله ، يمكننا أن نقول أن عبيد الله كان يعلم من أمر الشاعر يزيد بن مفرغ أنه لم يؤثر صحبة أخيه عباد إلى خراسان ، لمجرد عطائه وجوائزه ، ولكن ليطلع على أخباره واسوائه ، ثم يعود بها إلى الناس أهاجي وفضائح .
وكان الأمر كما توقع عبيد الله . ولم ينفعه الاحتياط شيئا ، ولم تغنه الضمانة التي ضمنها له الشاعر ، فقد كان شاعرنا يزيد بن مفرغ ينتظر إبطاء عباد عنه في خراسان ، حتى يجد في ذلك فرصة لاصلات لسانه فيه ، دون أن يكتب إلى عبيد الله يشكوه ، لأن العطاء والجائزة لم يكونا بغية هذا الشاعر .
فهذه رواية الأغاني تقول ان عبادا ما كاد يصل إلى خراسان ، حتى شغل بحربه وخراجه ، فاستبطأه الشاعر ، ولم يكتب إلى أخيه عبيد الله في ذلك كما ضمن له ساعة وداعه .
وهنا تقول الرواية : . . ولكنه - اي ابن مفرغ - بسط لسانه في عباد ، فذمه وهجاه ، وكان عباد عظيم اللحية ، فسار يزيد ابن مفرغ مع عباد فدخلت الريح لحيته فنفشتها ، فضحك ابن مفرغ ، وقال لرجل من بني لخم كان إلى جنبه :
< شعر > الا ليت اللحا كانت حشيشا فنعلفها خيول المسلمينا !
< / شعر > وتمضي الرواية فتقول ان اللخمي هذا ، وشى ابن مفرغ إلى عباد ، وان عبادا اغتاظ غيظا شديدا ، ولكنه كظم غيظه ، وأسرها في نفسه معتزما الشر لابن مفرغ ، وقال للواشي اللخمي :
- « لا تحمل بي عقوبته بهذه السرعة مع الصحبة لي ، وما أؤخرها الا لاشفي نفسي منه ، لأنه كان يشتم أبي في عدة مواطن » .
ويتبين لنا من هذا القول ، ان عبادا ما كان ليجرؤ ان يعجل على الشاعر بالعقوبة ، خشية « الشر والعار » وطمعا بان يداري الأمر قبل ان يفلت زمام الشاعر من يديه ، ويتبين لنا من هذا القول أيضا أن ابن مفرغ كان معروفا بعدائه لآل زياد ، فقد كان « يشتم أبا عباد في مواطن كثيرة » . . . وهذا يؤيد ما قلناه في المقال السابق من أن رغبة الشاعر في صحبة عباد ، وإيثاره على سعيد بن عثمان ، ليسا حبا بعباد أو طمعا فيه ، بل لتكون له الفرصة ان يشفي نفسه منه « بذمة وهجائه » .
ويبلغ ابن مفرغ ان اللخمي قد وشى به إلى عباد ، ويبلغه وعيد عباد وإسراره الشر له ، فيداخله الخوف ، ويستعجل الخلاص ، فيستأذن عبادا بالرجوع إلى العراق ، فيقول له عباد :
- « طلبت الاذن لترجع إلى قومك ، فتفضحني فيهم » ؟ . . . وهذه كلمة اخرى تضج بالذعر والهلع ان يكسبه الشاعر « شرا وعارا » .
ولعلك تتساءل الآن : ترى ، كيف لم يكتب ابن مفرغ إلى عبيد الله بن زياد يشكو إليه أخاه عبادا حين ابطا عنه وفاء بوعده ؟ .
ولكنك عرفت الجواب مما قدمناه منذ قليل ، فان الشاعر قد ضمن لعبيد الله ان يكتب إليه وهو معتزم أن لا يفي بضمانته ، وإنما كانت منه حتى لا يعوقه عبيد الله عن صحبة أخيه ، ونيل الوطر الذي ينشده من صحبته ، أي ان يهجوه ويكسبه « شرا وعارا » .
والمسألة الآن هي : كيف يصنع عباد لكي يخنق شبح « الشر والعار » الذي يتراءى له من وراء لسان الشاعر ، ويكاد من خوفه أن يراه منطلقا في الجماهير يكسب آل زياد « شرا وعارا » ؟ . هنا تبتدئ ماساة هذا الشاعر ، وماساة آل زياد معا . . انه لا بد لعباد من الانتقام ، ولكن آل زياد يخشون نقمة الجماهير ، إذا هم أساؤا إلى الشاعر من غير ذنب ظاهر تسمع به الجماهير ، فتعذرهم على عقوبته .
وتربص عباد بالشاعر حتى جاءت فرصة الانتقام ، إذ علم عباد أن لقوم دينا على الشاعر ، فدس إليهم من يدفعهم أن يشكوا ابن مفرغ إليه ، فلما شكوه ، حبسه وأخذ يعذبه ، فلا يحتمل الشاعر التعذيب ، ويجتهد في الحيلة على عباد حتى يطلقه من سجنه ، ثم يجتهد الشاعر - وقد استطاع الخروج من السجن - ان يجد الحيلة في الهروب من خراسان إلى العراق .
وهنا تكبر ماساة آل زياد أنفسهم ، فإذا بالشاعر يبلغ منهم إربه ، وإذا هو يشحذ لسانه في ذمهم وهجائهم وهو ما يزال في الطريق إلى العراق ، يرسل البيت من الهجاء فيكتبه على حائط هذا الخان في أحد منازل الطريق ، ثم يرسل البيت الآخر فيكتبه على حائط آخر في هذه المرحلة الأخرى من الطريق ، وإذا الجماهير في مراحل الطريق كلها من خراسان إلى العراق ، تتناقل أهاجي الشاعر في آل زياد فتحفظها بسرعة البرق ، ثم تتناقلها بأكثر سرعة من ذلك ، حتى تصل هذه الأهاجي إلى جماهير البصرة قبل أن يصل إليها الشاعر ، وإذا أهل البصرة كلهم يتغنون في أشعار ابن مفرغ بال زياد ، ينفسون بها عن كربهم ، ويمطون بها ألسنتهم يتلمظون بمساوئ آل زياد مستطيبين هجاءهم ، لانه جاء تمثيلا لما في صدورهم من الضغينة عليهم ومن الحقد على ما يجدون من استبدادهم وطغيان أمرهم فيهم .
ولكن الشاعر ما يكاد يصل البصرة ، ويرى أهلها قد سبقته أشعاره إليهم فحفظوها وتغنوا بها في اسمارهم ، وانطلقت بها ألسنتهم في هذا الحقل ، وفي هذا البستان ، وفي هذا المصنع ، في طول المصر وعرضه ، حتى يتجسم له شبح ماساة جديدة . . . فقد علم عبيد الله بن زياد ، والي البصرة ، بمقدم الشاعر إليها من خراسان ، وكان قد سمع بما تتغنى به أهل البصرة من أهاجيه في أخيه وآله ، فاخذ يبحث عنه بحثا شديدا ، حتى كاد يقبض عليه ، فهرب إلى بلاد الشام .
وطفق الشاعر ابن مفرغ ينتقل في قرى الشام ونواحيها - كما تقول رواية الأغاني - يهجو بني زياد ، وتنتقل أشعاره فيهم من هناك إلى البصرة وتنتشر ، وتبلغ بني زياد على السنة الناس أينما اتجهوا في المدينة ، ويضيق عبيد الله ذرعا بهذا الأمر ، فكتب إلى يزيد بن معاوية يقول له :
- « ان ابن مفرغ هجا زيادا وبني زياد بما هتكه في قبره وفضح بنيه طول الدهر ، وتعدى ذلك إلى أبي سفيان ، فقذفه بالزنا ، وسب ولده ، فهرب من خراسان إلى البصرة ، وطلبته حتى لفظته الأرض فلجا إلى الشام يتمضغ لحومنا بها ويهتك أعراضنا ، وقد بعثت إليك بما هجانا به لتنتصف لنا منه » .
وبعث عبيد الله إلى يزيد بجميع ما حفظته جماهير البصرة من أشعار ابن مفرغ في بني زياد ، فأمر يزيد بطلب الشاعر ، فجعل يفلت من أيدي « رجال التحري » منتقلا من بلدة إلى بلدة ، فإذا شاع خبره هنا انتقل إلى موضع آخر ، حتى خرج من أرض الشام وانتهى إلى البصرة ، ونزل فيها على الأحنف بن قيس مستجيرا فأبى أن يجيره رهبة من بني زياد ، فلجا إلى عدد من وجوه القوم ، فلم يجره أحد منهم خشية ورهبة كذلك ، حتى اجاره المنذر بن الجارود العبدي ، وكانت ابنة هذا زوجا لعبيد الله بن زياد .
فلما علم عبيد الله ، بعث إلى حمية المنذر أن يأتيه ، فأتاه ، وما كاد يخرج المنذر من داره ، حتى كبسها الشرطة ، وقبضوا على ابن مفرغ وجاؤا به إلى عبيد الله ، فلم يشعر المنذر الا وابن مفرغ قد أقيم على رأسه ، فجزع المنذر ،

252

نام کتاب : مستدركات أعيان الشيعة نویسنده : حسن الأمين    جلد : 1  صفحه : 252
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست