نام کتاب : مستدركات أعيان الشيعة نویسنده : حسن الأمين جلد : 1 صفحه : 14
أيام الهزائم وأفراحهم أيام الانتصارات ، فان تلك الحروب لم تنل ما كان يجب أن تناله من الشعر العربي ، ولا أوجدت الملحمة في أدبنا ، وكانت بذلك جديرة . على انني وأنا اقرأ وقائع عماد الدين زنكي ثم وقائع ابنه نور الدين محمود مع الصليبيين ، حين بدأ الأول مهاجمة الإفرنج ، فكانت انتفاضته أول انتفاضة في وجه المحتلين بعد نوم طويل على الضيم . انني وأنا اقرأ ذلك وجدت شعرا عربيا يسجل تلك الوقائع ويتغنى بها معبرا عما كانت تنضح به نفوس المسلمين من الابتهاج والحبور ، وما كانت تفيض به بيئاتهم من الاستبشار والسرور . وإذا كان مما يقلل من قيمة أصحاب ذلك الشعر في أعيننا أنهم لم ينظموا شعرهم ابتداء ، ولا كان بنتيجة تحسس بالشعور العام ، ولا تعبيرا عن حقيقة أمورهم ، بل جاء في معرض المدح والاسترزاق . فإنهم وهم يعيشون في كنف عماد الدين ونور الدين ويحيون في سلطانيهما ، كان لا بد لهم من أن يمدحوهما استدرارا للعطاء ، وسواء أكان عماد الدين ونور الدين غازيين منتصرين ، أو متخاذلين متواكلين فإنهم سيمدحونهما حتما . إذا كان الأمر كذلك فان حسن حظهما جعل مدحهم غير منكور ولا ممجوج ، وجعلهم دون أن يقصدوا لسان الحياة الإسلامية في تلك الفترة ، فعبروا عن مشاعر الأمة ونطقوا بلسان الأحداث فاكتسبوا بذلك خلودا لم يكن ليتاتى لهم لو ان عماد الدين ونور الدين لم يكونا مدبري تلك الوقائع وقائدي تلك المعامع . وأبرز شعراء تلك الفترة شاعران لقبهما معاصروهما شاعري الشام هما محمد بن نصر القيسراني واحمد بن منير الطرابلسي ، ولهما في عماد الدين ونور الدين مدائح تقليدية ككل مدائح الشعراء في الأمراء ، ليست هي التي تعنينا في حديثنا هذا ، وانما الذي يعنينا هو تلك القصائد التي نظماها في الانتصارات فكانت مظاهر للملحمة العربية جديرة بالعناية والاذاعة . والقيسراني مولود سنة 478 ومتوفى سنة 548 هوهو منسوب إلى مدينة قيسارية على الساحل الفلسطيني ، ولم يكن الشعر وحده الصفة الغالبة عليه ، بل يبدو أنه كان على مشاركة حسنة ببعض العلوم حتى أن ابن عساكر سمع منه وذكره بين من ذكرهم من شيوخه . وهو ليس من موضوع كتابنا وذكرناه لعلاقته بابن منير . والطرابلسي مولود سنة 473 ومتوفى سنة 548 هوهو منسوب إلى طرابلس على الساحل اللبناني وهي المدينة التي عرفت في التاريخ الإسلامي باسم طرابلس الشام تمييزا لها عن طرابلس الافريقية التي عرفت باسم طرابلس الغرب . ونحن نرى من ذلك ان الشاعرين من منطقتين نكبتا بالاحتلال الصليبي وسقطتا في قبضة الفاتحين ، فقد عانت قيسارية كما عانت طرابلس مرارة الذل ، وهوان الفتح ، ولكننا لا نرى في شعر الشاعرين ما يدل على تحسسهما بما كان يشكو منه بلداهما ، وهذا يدلنا على أن الشاعرين سيقا إلى شعر الكفاح سوقا ، ولما لم يكن لوقائع عماد الدين ثم لوقائع نور الدين صلة لا بقيسارية ولا بطرابلس بل كانت البلدتان بعيدتين عن ميدان الصراع ، لذلك لم يذكرهما الشاعران ولا استجاشتهما همومهما ، بل اقتصر الشاعران على ما باشره القائدان من المعارك في المناطق النائية لأن فيها المادة الوافرة لموضوع المديح ، وهو الأصل في نظمهما هذا الشعر . ولم يكن هذان الشاعران متوافقين متصافيين دائما ، بل كثيرا ما تهاجيا وتشاتما ، وفي أثناء ذلك قد تقوم بينهما مطارحات طريفة . وكان الوضع قبل نهوض عماد الدين وضعا مذلا سيطر فيه الإفرنج سيطرة كاملة على البلاد الممتدة من ماردين إلى عريش مصر . ولم يكن ناجيا من ربقة الاحتلال في هذا المدى الواسع إلا المدن الأربع : حلب وحماه وحمص ودمشق . على أن هذه المدن إذا كانت قد نجت من الاحتلال فإنها لم تنج من الهوان . فقد كان الفرنج يرسلون وفودهم إليها فارضة ما تشاء من الفروض ، فضلا عما كانت عليه بقية المدن والقرى . ولعل مما يصور وضع البلاد يوم ذاك ما قاله صاحب كتاب ( الروضتين ) : » وكان الفرنج قد اتسعت بلادهم وكثرت أجنادهم وعظمت هيبتهم وزادت صولتهم وامتدت إلى بلاد المسلمين أيديهم وضعف أهلها عن كف عاديهم وتتابعت غزواتهم وساموا المسلمين سوء العذاب واستطار في البلاد شر شرهم « . ثم يزيد في وصف الحال قائلا : » وكانت سراياهم تبلغ من ديار بكر إلى آمد ومن الجزيرة إلى نصيبين ورأس عين ، أما أهل الرقة فقد كانوا معهم في ذل وهوان ، وانقطعت الطرق إلى دمشق إلا على الرحبة والبر ، ثم زاد الأمر وعظم الشر حتى جعلوا على أهل كل بلد جاورهم خراجا واتاوة ياخذونها منهم ليكفوا أذيتهم عنهم « . ولا يفوتنا أن نشير إلى ما كان عليه المسلمون من تشاحن وتقاتل وصراع مما كان يحول دون النهوض نهوضا يرد للأمة كرامتها وحريتها . هذا هو حال الوطن حين كان قد استطال امر عماد الدين زنكي ورسخ سلطانه فكان أن هب لمناجزة المحتلين ومقارعتهم ، ثم أخذ ينتصر عليهم انتصارات متتابعة ، إذا كانت في أول أمرها هينة النتائج فإنها كانت مفتاحا للوثوب ، كهذا الذي جرى حين ردهم عن حصن ( شيزر ) وحين فتح حصن ( الأثارب ) وحصن ( عرقة ) وحصن ( بارين ) ثم ضرب ضربته الكبرى بفتح مدينة ( الرها ) . وكانت الرها ( ايدسا القديمة ) محكومة من الأرمن ، وبعد استيلاء الفرنج في حملتهم الأولى التي تلت حملة بطرس الناسك ، على مدينة ( نيقيا ) سنة 1097 م ثم مدينة دوريلايوم ( اسكي شهر ) من السلجوقيين انفصل بلدوين اللوريني عن الجيش الصليبي الرئيسي وتقدم نحو الرها واستولى عليها بالاتفاق مع حاكمها الأرمني ( توروس ) سنة 1098 وأنشأ فيها أولى الدويلات اللاتينية . ومنها تقدم الفرنج إلى سميساط وسروج والبيرة وغيرها ، فقامت لهم امارة في حوض الفرات الأعلى من مرعش في الشمال إلى منبج في الجنوب غربي الفرات ، ثم تمضي شرقي الفرات فتشمل بهسنا والرها وسروج . وكان تمركز بلدوين في الرها مما أعاق القائد السلجوقي ( كربوقا ) أمير الموصل عن الوصول في الوقت المفيد لنجدة انطاكية التي كان يحاصرها الجيش الصليبي الرئيسي . ثم كان قيام هذه الامارة تهديدا متواصلا للموصل وما يتبعها مثل نصيبين وماردين
14
نام کتاب : مستدركات أعيان الشيعة نویسنده : حسن الأمين جلد : 1 صفحه : 14