نام کتاب : مستدركات أعيان الشيعة نویسنده : حسن الأمين جلد : 1 صفحه : 104
في حياته اليومية ، في تفاصيل العلاقات الاجتماعية كان ضاحكا مرحا وفي شعره وجه آخر لهذا الفرح الحياتي . في شعره كابة ويأس واشمئزاز ونفور وقرف . . . نفس الأشياء التي يترجمها ضحكه ونكته أمام الناس كان يترجمها في شعره شكوى وتذمرا ، المقاييس المختلة بل القيم المختلة أضحكته وأبكته في آن معا . يقول في قصيدة : < شعر > إلى أين يمضي بنا ركبنا عنيفا لجوجا على عمرنا < / شعر > [1] ان تراكم هذه التساؤلات هو بحد ذاته دليل على شكوى داخلية عميقة : إلى أين ؟ وحتام ؟ أكنا . . . وهل ؟ ومن ؟ . . ويختم أبياته بخيبات الأمل وباسفاف الأوهام وبالانتظار الممل . في قصيدة اخرى نظمها كما يبدو في أواخر حياته يحشد عددا من المفردات يكفي مجرد استعراضها للتأكيد على انزعاجه الشديد من القيم المختلة تلك : < شعر > ضلال العمى وضلال البصر وحمى الحلال وحمى السفر < / شعر > [2] على أن هذه الأجواء المفعمة بالتساؤلات لم تشكل كما عند الرومنطيقيين مثلا مرضا اسمه الهروب مما قد يعترض الإنسان من مشاكل والاحتماء بحصن الأنا والذات والانكفاء إلى عالم داخلي باطني صوفي تاملي . . . لقد كان عبد المطلب يرى إلى الواقع بعين ثاقبة ويحسن تشخيص الداء من اعراضه وتدفعه جرأته إلى إعلان موقفه ، وموقفه كان دائما منحازا إلى شعبه إلى المظلومين والمستعبدين في كل زمان ، منحازا إلى تلك القوى المناضلة من أجل تحرير بلادها وتحرر شعوبها من صلف الحكام واستهتارهم وامتهانهم لكرامات الناس وأعراضهم وأسباب عيشهم ، منحازا إلى أهل البيت وشعره ينضح إعجابا بهم وتمسكا بتاريخهم وتمسكهم العنيد بقضية ما زالت حتى اليوم تقبض على هواجس بعض ذوي القربى والسلالات ، منحازا إلى القضية القومية ، قضية فلسطين مستشرفا مستقبلها منذ أيامها الأولى . . . وربما بسبب مواقفه الواضحة تلك عاش عبد المطلب حياة سماها حياة التشرد وحياة الغربة : < شعر > في أي صقع استقر واسكن ولأي ظل استريح واركن < / شعر > [3] والغربة تلك هي نفسها التي شعر بها المتنبي يوما حين قال : < شعر > ما مقامي بأرض نخله الا كمقام المسيح بين اليهود أنا في أمة تداركها الله غريب كصالح في ثمود < / شعر > أنها الغربة نفسها لأنها غربة أصحاب الإمكانات الكبيرة والطموح الكبير والآمال العريضة الذين يصابون بخيبات أمل من واقع لا يساعدهم ويقف فوق ذلك موقفا اعتراضيا من مواهبهم ومزاياهم . والا كيف نفسر إذن شخصا بامكانات عبد المطلب ومنزلته كان يسكن غرفة متواضعة في أحد الشوارع « المتشابهة » من منطقة النهر في بيروت ، وفي تلك الغرفة زاره دبلوماسيون عرب وأجانب ؟ قلنا أن عبد المطلب كان يمتلك الأدوات اللازمة والعناصر الضرورية ليكون شاعرا كبيرا ، امتلك اللغة ووضوح الموقف والموهبة وغزارة الإنتاج . . . إلخ قال الدكتور حسين مروة في ذلك : « يملك العدة الكافية ، بل الغنية ، لدقة الاختيار وبراعة الاستصفاء ، ثم لأحكام البناء الشعري وإتقانه » . وفي مكان آخر يشير الدكتور مروة إلى « امتلاكه ، أي عبد المطلب ، الوثيق لكل أدوات اللغة الشعرية وقواعد النحو والعروض » . . . وفضلا عن تملكه لتلك الأدوات والعناصر كان بامكانه أن يجير موقعه الاجتماعي والسياسي كسفير ومنشاه في بيت السيد محسن الأمين ويستعين بهما لكي يشيع شعره ويدفعه إلى التداول ، لكنه لم يفعل ذلك واكتفى بأنه أنشد الشعر بعفوية ليهمله على الفور بعد إنشاده تاركا لاصدقائه أن يحافظوا على شعره وأن يحفظوه . ورغم محبتهم له ولشعره لم تنج قصائده من البعثرة والضياع إلى حد يدفعنا إلى الاعتقاد أن ما جمع من أشعاره لا ينقل بامانة تفاصيل عبد المطلب التي يتحدث عنها اصدقاؤه ، وربما لا يكون ذلك بسبب قلة ما جمع من أشعاره بل بسبب كون الشعر بالنسبة إليه مجرد هواية متطورة لم يشأ أن يدخلها في باب الاحتراف مدخرا لهذا الباب طاقة اخرى غير الشعر ، ربما كانت السياسة ، ظلت هي بدورها خارج باب الاحتراف . الهواية في الشعر دون الاحتراف استندت عند عبد المطلب إلى أسس ثلاثة : الأساس الأول : هو ان الشعر لم يكن عالمه الوحيد ونظن أنه لم يكن الأهم ولذلك لم تكن عنايته به موازية لموهبته فيه . يقول الدكتور حسين مروة عن شعره : « انه التفجر الأفقي المندفع خلال قشرة الإحساس وياتي ، حين ياتي ، استجابة لتوترات عفوية آنية يدفعها من العمق إلى . . . ذلك كان شانه في أغلب حالاته الشعرية . . . سمة العفوية انسحبت على تعامله مع اللغة الشعرية في معظم ما كتبه شعرا بل انسحبت كذلك ، أحيانا ، على تعامله مع قواعد النحو والعروض رغم امتلاكه الوثيق لكل أدوات اللغة الشعرية وقواعد النحو والعروض » . يضيف الدكتور مروة : « كانت استجاباته للحظات التوتر النفسي ، تندفع بقسرية حادة وبنورية لا تمهله أن يتوقف ليقارن ويختار ويستصغي ثم ليبني قصيدته بروية وتدقيق وأحكام . . » . الأساس الثاني : ان الشعر عنده لم يكن طاقة استثنائية يندر وجودها ، بل أن ملكة الشعر بين يديه قد توفرت في بيت عج بالشعراء وقد ذكرنا أن اخوته الثلاثة يكتبون الشعر ، إضافة إلى عدد من أقاربه مما يترك الانطباع أن من طبيعة الأمور أن يكتب عبد المطلب الشعر من أجل الإبداع في ميدان آخر ينبغي التفتيش عنه . الأساس الثالث : انتماء شعره إلى ما يسمى الشعر العاملي . والشعر العاملي ليس حدثا مفتعلا أو قولا ينحو نحو المبالغة . الشعر العاملي ظاهرة تستحق التوقف وقد بادر الأستاذ حسن الأمين شقيق عبد المطلب كما بادر غيره إلى جمع بعض التراث العاملي وما زال الجزء الأكثر من هذه الظاهرة مبعثرا في الذاكرة الشعبية أو في الكتب أو في الأوراق الخاصة المغمورة . . . لقد تفرد جبل عامل بهذه الميزة بحيث لم تخل قرية فيه من شاعر ينشد أو ينظم أو يقرض شعرا بالفصحى وإذا لم يتوفر فبالعامية . وربما تكون هذه الظاهرة مرتبطة بالتراث الشعري القديم أكثر من تأثرها بالتيارات الجديدة بدءا من المدرسة الرومنطيقية وحتى يومنا هذا ولذلك جاء شعر عبد المطلب أكثر استجابة لظاهرة الشعر العاملي بعفويته منه إلى التيارات الغنية والشعرية منها
[1] راجع القصيدة في ترجمته . [2] راجع القصيدة في ترجمته . [3] راجع القصيدة في ترجمته .
104
نام کتاب : مستدركات أعيان الشيعة نویسنده : حسن الأمين جلد : 1 صفحه : 104