وحكى ابن القادسي في أخبار الوزراء أن جعفراً اشترى جارية بأربعين ألف دينار ، فقالت لبائعها : اذكر ما عاهدتني عليه أنك لا تأكل لي ثمناً ، فبكى مولاها وقال : اشهدوا أنها حرة وقد تزوجتها ، فوهب له جعفر المال ، ولم يأخذ منه شيئاً ، وأخبار كرمه كثيرة ، وكان أبلغ أهل بيته . قالوا : و كان الفضل أجود منه ، وأول من وزر من آل برمك خالد بن برمك لأبي العباس السفاح ، ولم يزل خالد على وزارته حتى توفي السفاح ، وتولى أخوه أبو جعفر المنصور فأقر خالد على وزارته سنة وشهوراً ، وكان أبو أيوب المورياني بالمثناة من تحت بين الراء والألف وفي آخره قيل ياء النسبة نون قد غلب على المنصور ، فاحتال على خالد بإشارته على المنصور أن يوليه أمرة بعض البلدان البعيدة ، فلما بعد عن الحضرة استبد أبو أيوب بالأمر . وقال الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق : و لد خالد سنة تسعين من الهجرة وتوفي سنة خمس وستين ومائة ، وكان جعفر متمكناً من عند الرشيد غالباً على أمره ، واصلاً منه بالغاً علو والمرتبة عنده ما لم يبلغ سواه ، حتى أن الرشيد اتخذ ثوباً له زيقان ، وكان يلبسه هو وجعفر جملة ، ولم يكن للرشيد صبر عنه ، وكان الرشيد أيضاً شديد المحبة لأخته العباسة ابنة المهدي ، وهي من أعز النساء عليه ، لا يقدر على مفارقتها ، كان متى غاب جعفر وهي ، لا يتم للرشيد سرور ، فقال : يا جعفر إنه لا يتم لي سرور إلا بك وبالعباسة ، وإني سأزوجها منك ليحل لكما أن تجتمعا . يعني عندي ، لكن إياكما أن تجتمعا يعني اجتماع الرجال بالنساء ، فتزوجها على هذا الشرط ، ثم تغير الرشيد عليه وعلى البرامكة كلهم آخر الأمر ، وملهم وقتل جعفراً ، واعتقل أخاه الفضل وأباه يحيى بن خالد كما سيأتي في ترجمتهما إن شاء الله تعالى . وقد اختلف أهل التاريخ في سبب تغير الرشيد عليهم ، فمنهم من ذهب إلى أن الرشيد لما زوج أخته من جعفر على الشرط المذكور ، بقي مدة على تلك الحالة ، ثم اتفق أن أحبت العباسة جعفراً ، وأرادت أن تجتمع به ، فأبى وخاف ، فلما أعيتها الحيلة عدلت إلى الخديعة ، فبعثت إلى عنابة أم جعفر أن أرسلني إلى جعفر كأني جارية من جواريك اللاتي ترسلين إليه ، وكانت أمه ترسل إليه كل يوم جمعة جارية بكراً ، فأبت عليها أم جعفر ، فقالت : لئن لم تفعلي لأذكرن لأخي أنك خاطبتني بكيت وكيت ، ولئن اشتملت من ابنك على ولد ليكون لكم الشرف ، وما عسى أن يفعل أخي إن علم أمرنا ، فأجابتها أم جعفر وجعلت تعد ابنها أن ستهدي إليه جارية عندها حسناء من هيئتها ومن صفتها ، وهو يطالبها