الطبقات كان جامعاً عالماً رفيعاً فقيهاً حجة مأموناً عابداً ناسكاً كثير العلم فصيحاً جميلاً وسيماً ، رحمة الله عليه . وقال غيره : كان من سادات التابعين وكبرائهم ، وجمع من كل من علم وزهد وورع وعبادة ، وأبوه مولى زيد بن ثابت الأنصاري ، وأمه مولاة أم سلمة ، زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وربما غابت أمه في حاجة ، فيبكي ، فتعطيه أم سلمة ثديها تعلله به إلى أن تجيء أمه ، فتدر عليه فيروى ، ان تلك الحكمة والفصاحة من بركة ذلك . قال أبو عمرو بن العلاء : ما رأيت أفصح من الحسن البصري ومن الحجاج بن يوسف الثقفي . فقيل له : فأيهما كان أفصح ؟ قال : الحسن . وكان من أجمل أهل البصرة ، ولما ولي عمرو بن هبيرة الفزاري العراق ، وأضيفت إليه خراسان في أيام يزيد بن عبد الملك ، استدعى الحسن البصري ومحمد بن سيرين والشعبي ، وذلك في سنة ثلاث ومائة ، فقال لهم : ان يزيد خليفة الله استخلفه على عباده ، وأخذ عليه الميثاق بطاعته ، وأخذ عهودنا بالسمع والطاعة ، وقد ولاني ما ترون ، فيكتب إلي بالأمر من أموره فأقلده ما يقلده من ذلك الأمر ، فقال ابن سيرين والشعبي : قولاً فيه تقية . فقال ابن هبيرة : ما تقول يا حسن ؟ فقال : يا ابن هبيرة خف الله في يزيد ، ولا تخف يزيد في الله ، فإن الله يمنعك من يزيد ، ولا يمنعك يزيد من الله ، ويوشك أن يبعث إليك ملكاً فيزيلك عن سريرك ، ويخرجك من سعة قصر إلى مضيق قبر ، ثم لا ينجيك إلا عملك . يا ابن هبيرة ، إياك أن تعصي الله ، فإنما جعل الله هذا السلطان ناصر الدين الله وعباده ، فلا تتركن دين الله وعباده بهذا السلطان ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، فأجازهم ابن هبيرة ، وأضعف جائزة الحسن ، فقال محمد بن سيرين والشعبي : سفسفنا فسفسف لنا . قلت : السفاف الردي من العطية . وروي أنه كتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن رضي الله عنهما يقول له : إني قد ابتليت بهذا الأمر ، فانظر لي أعواناً يعينوني عليه ، فكتب إليه الحسن كتاباً يقول في أثنائه : أما أبناء الدنيا فلا تريدهم ، وأما أبناء الآخرة فلا يريدونك ، فاستعن بالله والسلام . ورأى الحسن يوماً رجلاً وسيماً حسن الهيئة ، فسأل عنه ، فقيل : انه يتمسخر للملوك ويحبونه ، فقال : لله أبوه أو قال : لله دره ما رأيت أحداً يطلب الدنيا بما يشبهها إلا هذا ، قلت يعني أن الدنيا رذيلة ، فأخذها بالرذائل أنسب من أخذها بالفضائل ، وكان أكثر كلامه حكماً وبلاغة . ولما حضرته الوفاة أغمي عليه قبل موته ، ثم أفاق فقال : لقد نبهتموني من جنات وعيون ومقام كريم ، وقال رجل كريم قبل موته لابن سيرين : رأيت كأن طائراً أخذ حصاة بالمسجد ، فقال : ان صدقت رؤياك مات الحسن ، فلم يكن إلا قليلاً حتى مات الحسن ، فتبع الناس جنازته ، فلم تقم صلاة العصر بالجامع ، وما علم أنها تركت فيه مذ كان الإسلام