ثم بعد ذلك في سنة ست وأربعين وثمانمائة ، أرسل شاه رُخّ المذكور يستأذن في إرسال ما نذر قديماً أنه يكسو الكعبة ، فأذن له السلطان الملك الظاهر جقمق في ذلك ، فأرسل شاه رُخّ بعد ذلك كسوة للكعبة فصعب ذلك على الأمراء وعلى أعيان الديار المصرية فلم يلتفت السلطان لكلامهم ، وأمر أن يأخذها ناظر الكسوة بالقاهرة ويبعثها كي تلبس من داخل البيت ، وتكون كسوة السلطان من خارج البيت على العادة ، ورأيت أنا الكسوة المذكورة ، وما أظنها تساوي ألف دينار . واستمرت الصحبة بين الملك الظاهر جقمق وبين شاه رُخّ إلى أن مات شاه رُخّ في سنة إحدى وخمسين وثمانمائة . كان خرج لقتال حفيده محمد سلطان بن باي سنقر بن شاه رُخّ المذكور وتولى الملك من بعده حفيده علاء الدولة بن باي سنقر ، نصبته جدته لأبيه كهرشاه خاتون أرادت بولاية علاء الدولة المذكور وعدم ولايتها ولدها ألوغ بك صاحب سمرقند ، أن يكون الأمر إليها . فلما سمع ألوغ بك ذلك عز عليه وحشد ومشى على والدته كهرشاه المذكورة وعلى ابن أخيه علاء الدولة بن باي سنقر ووقع له معهما أمور وحوادث ، ذكرناها في ترجمة ألوغ بك وغيره . ثم قتل ألوغ بك على ما ذكرناه في ترجمته ، واستمرت الفتنة بين بني تيمور . وما أظن بيت تيمور عاد يعمر ، بعد موت شاه رُخّ صاحب الترجمة ، وبعد قتل ولده ألوغ بك صاحب سمرقند . . وكان شاه رُخّ ملكاً عادلاً ديناً خيراً ، فقيهاً متواضعاً ، محبباً لرعيته ، غير محجوب عنهم ، لم يسلك طريقة والده تيمور ، لعنه الله وقبحه . وكان يحب أهل العلم والصلاح ويكرمهم ويقضي حوائجهم . وكان متضعفاً في بدنه يعتريه مرض الفالج فلا يزال يتداوى منه . وكان يحب السماع الطيب ، وله حظ منه بل كان يعرف يضرب بالعود ، وكان ينادمه الأستاذ عبد القادر بن الحاج غيبي ويختص به . وكان له حظ من العبادة وله أوراد هائلة لم يزل غالب أوقاته على طهارة كاملة مستقبل القبلة والمصحف بين يديه ، وكان مسيكاً لا يصرف المال إلا لحقه رحمه الله ) . انتهى .