ثم صعَّد المنصور الموقف ليغيض الحسنيين والعلويين عامة ، فتبنى تنقيص مكانة علي عليه السلام وتكبير مكانة أبي بكر وعمر ، وقال كلمته المشهورة : ( والله لأرغمن أنفي وأنوفهم وأرفع عليهم بني تيم وعديٍّ ، وذكَرَ الصحابة في خطبته واستمرت هذه البدعة إلى هذا الزمان على حد تعبير العلامة الحلي قدس سرّه . وبذلك غير العباسيون سياستهم مئة وثمانين درجة ، وتبنوا سياسة الأمويين التي ثاروا عليها مع الحسنيين بشعار يا لثارات الحسين ، وشعار الدعوة إلى الرضا من آل محمد والبراءة من بني أمية وظالمي آل محمد صلى الله عليه و آله ! وحرص المنصور على أن يبدأ بنفسه تطبيق ذلك فصلى الجمعة ومدح أبا بكر وعمر في خطبتة الصلاة . وعلَّم مالكاً إمام المذهب سياسته الجديدة وامتحنه فيها : قال ابن كثير في النهاية : 10 / 130 : ( قال مالك : قال لي المنصور : من أفضل الناس بعد رسول الله ؟ فقلت : أبو بكر وعمر . فقال : أصبت ، وذلك رأي أمير المؤمنين ) . انتهى . بعدها كان مالك يظهر ندامته لأنه خالف سياسة المنصور الجديدة وكتب في موطئه أحاديث ذم الصحابة ، وذلك قبل أن يتبى المنصور إمامة أبي بكر وعمر وروى في موطئه ( أحاديث الحوض ) التي تنص على أن الصحابة يدخلون النار ولا ينجو منهم إلا مثل هَمَل النعم حسب تعبير بخاري . فكان مالك يتأسف على ذلك لأن الكتاب انتشر في الناس ولا يمكنه حذف ذم الصحابة منه ! قال الصديق المغربي في فتح الملك العلي / 151 : ( حكي عن مالك أنه قال : ما ندمت على حديث أدخلته في الموطأ إلا هذا الحديث ! وعن الشافعي أنه قال : ما علمنا في كتاب مالك حديثاً فيه إزراء على الصحابة إلا حديث الحوض ، ووددنا أنه لم يذكره ) ! انتهى .