وإذا كان قواد الجيوش الفاتحة هم الفسقة الفجرة ، من أمثال خالد بن الوليد ، الغادر ببني جذيمة ، والقاتل لمالك بن نويرة ، والفاجر بامرأة ذلك القتيل في ليلة قتله ، والفار من الزحف بجيش الإسلام في غزوة مؤتة ، فإن على الإسلام السلام ، وعلى البلاد المفتوحة على أيدي هؤلاء أن تنتظر المصائب والبلايا ، والكوارث والرزايا ، ولن تجد لرحمة وعدل الإسلام أية رائحة أو أثر في حياتها الاجتماعية والسياسية ، وغيرها . هذا بالإضافة إلى أن الجيوش الفاتحة كانت على جهل بأحكام الدين وشرائعه وفي منتهى الشراهة للأموال والتوثب للحصول على السبايا الحسناوات . وإن إلقاء نظرة سريعة على معاملتهم للناس آنئذٍ ، تكفي لإعطاء صورة عن ذلك ! وكنموذج على ذلك نذكر النص التالي من الطبري : 3 / 313 : « لم يزل أهل أفريقية من أطوع البلدان وأسمعهم إلى زمان هشام بن عبد الملك حتى دب إليهم أهل العراق ، واستثاروهم ، فشقوا العصا وفرقوا بينهم إلى اليوم وكانوا يقولون : لا نخالف الأئمة بما تجني العمال ، فقالوا لهم : إنما يعمل هؤلاء بأمر أولئك . فقالوا حتى نَخْبُرَهُم ، فخرج ميسرة في بضعة وعشرين رجلاً فقدموا على هشام فلم يؤذن لهم ، فدخلوا على الأبرش فقالوا : أبلغ أمير المؤمنين : أن أميرنا يغزو بنا وبجنده ، فإذا غنمنا نفَّلهم ويقول : هذا أخلص لجهادنا . وإذا حاصرنا مدينة قدَّمنا وأخّرهم ويقول : هذا ازديادٌ في الأجر ، ومثلنا كفى إخوانه !