لا تشاور صاحب حاجة يريد قضاءها ولا جائعا ولا حاقن بول وقالوا « لا رأي لحاقن ولا لحازق » [1] وهو الذي ضغطه الخفّ « ولا لحاقب » وهو الذي يجد رزّا في بطنه . وقالوا أيضا : لا تشاور من لا دقيق عنده . وكان بعض ملوك العجم إذا شاور مرازبته [2] فقصّروا في الرأي دعا الموكَّلين بأرزاقهم فعاقبهم ، فيقولون : تخطئ مرازبتك وتعاقبنا ! فيقول نعم ، إنهم لم يخطئوا إلا لتعلَّق قلوبهم بأرزاقهم وإذا اهتموا أخطأوا . وكان يقال : إنّ النفس إذا أحرزت قوتها ورزقها اطمأنّت . وقال كعب : لا تستشيروا الحاكة فإن اللَّه سلبهم عقولهم ونزع البركة من كسبهم . قال الشاعر : [ طويل ] < شعر > وأنفع من شاورت من كان ناصحا * شفيقا فأبصر بعدها من تشاور وليس بشافيك الشفيق ورأيه * عزيب [3] ولا ذوا الرأي والصّدر واغر < / شعر > ويقال : علامة الرشد أن تكون النفس مشتاقة . وقال آخر [ طويل ] < شعر > إذا بلغ الرأي النصيحة فاستعن * برأي نصيح أو نصيحة حازم ولا تحسب الشّورى عليك غضاضة * فإنّ الخوافي [4] رافدات القوادم < / شعر >
[1] الحاقن : من امسك بوله حتى ثقل عليه ، ومعنى هذا المثل : من اشتدّ احتقان بوله يغلبه فلا يكون مخيّرا بين حبسه وإطلاقه ، يضرب للمضطرّ الذي لا يملك أمر نفسه في الصبر . والحازق : من ضاق خفّه على رجله حتى انضعطت منه ، ومعنى هذا المثل : لا يملك أمر نفسه في سرعة المشي ، وهو مثل يضرب في الاضطرار والعجز . [2] المرازبة : ج مرزبان ، وهو رئيس الفرس . [3] رأي عزيب : رأي بعيد غير مصيب ؛ يقال : عزب عني فلان : غاب وبعد . [4] الخوافي : ريشات إذا ضمّ الطائر جناحيه خفيت ، واحدتها خافية ؛ وقولهم في المثل : ليس القوادم كالخوافي نظير قولهم : ليس الرأس كالذنب .