وأغلظ له رجل فحلم عنه فقيل له : أتحلم عن هذا ؟ فقال : « إني لا أحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين سلطاننا » . كان يقال : « لا سلطان إلا برجال ولا رجال إلا بمال ولا مال إلا بعمارة ولا عمارة إلا بعدل وحسن سياسة » . قال زياد : « أحسنوا إلى المزارعين فإنكم لا تزالون سمانا ما سمنوا » . وكتب الوليد إلى الحجاج يأمره أن يكتب إليه بسيرته فكتب إليه : « إني أيقظت رأيي وأنمت هواي ، فأدنيت السّيّد المطاع في قومه ، ووليت الحرب الحازم في أمره ، وقلَّدت الخراج الموفّر لأمانته ، وقسمت لكل خصم من نفسي قسما يعطيه حظَّا من نظري ولطيف عنايتي ، وصرفت السيف إلى النّطف [1] المسئ ، والثواب إلى المحسن البريء فخاف المريب صولة العقاب ، وتمسّك المحسن بحظه من الثواب » . وكان يقول لأهل الشام : « إنما أنا لكم كالظَّليم [2] الرائح عن فراخه ينفي عنها القذر [3] ويباعد عنها الحجر ويكنّها [4] من المطر ويحميها من الضّباب [5] ويحرسها من الذئاب . يا أهل الشام أنتم الجنّة [6] والرّداء وأنتم العدّة والحذاء » . فخر سليم مولى زياد بزياد عند معاوية فقال معاوية : « أسكت ، ما أدرك صاحبك شيئا قطَّ بسيفه إلا وقد أدركت أكثر منه بلساني » .
[1] النّطف : الرجل المريب . [2] الظليم : الذكر من النعام ، والجمع ظلمان . [3] القذر : الوسخ . [4] يكنّها : يسترها ويصونها . [5] الضّباب : ج ضب ، وهو دويبّة من الحشرات يشبه الورل . [6] الجنّة : السّترة وكلّ ما وقى من سلاح .