أو رواية ترويها ، تنقّصها الكناية ويذهب بحلاوتها التعريض ، وأحببت أن تجري في القليل من هذا على عادة السّلف الصالح في إرسال النّفس على السجيّة والرغبة بها عن لبسة الرياء والتصنع . ولا تستشعر أنّ القوم قارفوا وتنزّهت وثلموا أديانهم وتورّعت . وكذلك اللحن إن مرّ بك في حديث من النوادر فلا يذهبنّ عليك أنّا تعمدناه وأردنا منك أن تتعمده لأنّ الإعراب ربما سلب بعض الحديث حسنه وشاطر النادرة حلاوتها ، وسأمثل لك مثالا : قيل لمزيد المديني - وقد أكل طعاما كظَّه [1] : قي ؛ فقال : ما أقي ، أقي نقا ولحم جدي ! مرتي طالق لو وجدت هذا قيا لأكلته . أ لا ترى أن هذه الألفاظ لو وفّيت بالإعراب والهمز حقوقها لذهبت طلاوتها ولاستبشعها سامعها وكان أحسن أحوالها أن يكافئ لطف معناها ثقل ألفاظها فيكون مثل المخبر عنها ما قال الأوّل : [ بسيط ] < شعر > اضرب ندى طلحة [2] الخيرات إن فخروا * ببخل أشعث واستثبت وكن حكما تخرج خزاعة من لؤم ومن كرم * فلا تعدّ لها لؤما ولا كرما < / شعر > ولمثل هذا قال مالك بن أسماء [3] في جارية له : [ خفيف ] < شعر > أمُغَطًّى منّي على بصري لل * حبّ أم أنت أكمل الناس حسنا ؟ < / شعر >
[1] كظَّه الطعام يكظَّه كظَّا : ملأه حتى لا يطيق النّفس . [2] أعتقد أنه طلحة بن عبيد اللَّه التيمي القرشي لمدني ، ويقال له طلحة الجود وطلحة الخير وطلحة الفيّاض . توفي سنة 36 ه . الأعلام ج 3 ص 229 . [3] هو أبو الحسن مالك بن أسماء الفزاري ، شاعر غزل ظريف وأخو هند بنت أسماء زوجة الحجاج . وقع منه ما أوجب حبسه مدة طويلة . توفي حوالي 100 ه . الأعلام ج 5 ص 257 .