لغير علَّة حدثت ، ولذلك جمعت سوق الأهواز الأفاعي في جبلها المطلّ عليها والجرّارات [1] في بيوتها ومن ورائها سباخ ومناقع مياه غليظة وفيها أنهار تشقّها مسايل كنفهم ومياه أمطارهم فإذا طلعت الشمس وطال مقامها واستمرّت مقابلتها لذلك الجبل قبل الصخرية التي فيها الجرارات ، فإذا امتلأت يبسا وحرّا وعادت جمرة واحدة قذفت ما قبلت من ذلك عليهم وقد بخرت تلك السباخ وتلك الأنهار ، فإذا التقى عليهم ما بخرت به السباخ وما قذفه ذلك الجبل فسد الهواء وفسد بفساد الهواء كل ما يشتمل عليه الهواء . وقال إبراهيم بن العباس الكاتب : حدّثني مشايخ أهل الأهواز عن القوابل أنهنّ ربما قبلن الطفل فيجدنه في تلك الساعة محموما يعرفن ذلك ويتحدّثن به . قال : ومن قدم من شقّ العراق إلى بلد الزّنج لم يزل حزينا ما أقام بها فإنّ أكثر من شرب نبيذها وأكل النّارجيل [2] طمس الخمار [3] على عقله حتى لا يكون بينه وبين المعتوه إلا شيء يسير . قال : وفي عهد سجستان على العرب حين افتتحوها : ألَّا يقتلوا قنفذا ولا يصيدوه ؛ لأنها بلاد أفاع والقنافذ تأكلها ولولا ذلك ما كان لهم بها قرار . وقال ابن عيّاش لأبي بكر الهذلي يوم فاخره عند أبي العباس : إنما مثل الكوفة مثل اللَّهاة من البدن يأتيها الماء ببرده وعذوبته ، والبصرة بمنزلة المثانة يأتيها الماء بعد تغيّره وفساده . وقال محمد بن عمير بن عطارد : إن الكوفة قد سفلت عن الشام ووبائها وارتفعت عن البصرة وعمقها فهي مريئة مريعة عذبة ثريّة ، إذا أتتنا الشّمال
[1] الجرّارات : ج جرّارة وهي عقيرب قتّالة تجرّ ذنبها إذا مشت لا ترفعه كما تفعل سائر العقارب . [2] النارجيل : الجوز الهندي ، وهو شجر كالنخل إلَّا أنّ وجه الجريد فيه إلى أسفل ، وإذا قطع لم يمت . الواحدة : نارجيلة . [3] الخمار : الصّداع ، وهو صداع الخمر وبقية السّكر .