ذهبت مسيرة شهر على مثل رضراض الكافور ، وإذا هبّت الجنوب جاءتنا بريح السّواد وورده وياسمينه وأترجّه ، وماؤنا عذب وعيشنا خصب . وقال الحجاج : الكوفة بكر حسناء والبصرة عجوز بخراء [1] أوتيت من كل حلي وزينة . اجتمع أهل العراق ليلة في سمر يزيد بن عمر بن هبيرة ، فقال يزيد : أيّ البلدين أطيب ثمرة : الكوفة أم البصرة ؟ فقال خالد بن صفوان : بل ثمرتنا أيها الأمير منها الأزاذ والمعقليّ وكذا وكذا . فقال عبد الرحمن بن بشير العجلي : لست أشك أيها الأمير أنكم قد اخترتم لأمير المؤمنين ما تبعثون به إليه . قال : أجل ، قال : قد رضينا باختيارك لنا وعلينا . قال : فأيّ الرّطب تحملون إليه ؟ قال : المشان . قال : ليس بالبصرة منه واحدة . ثم أيّة ؟ قال : السّابري . قال : ولا بالبصرة منه واحدة . قال خالد بن صفوان : بلى عندنا بالبصرة منه شيء يسير . قال : فأيّ التمر تحملون إليه ؟ قال : النّرسيان . قال : ولا بالبصرة منه واحدة . قال : ثم أية ؟ قال : الهيرون أزاذ . قال : ولا بالبصرة منه واحدة . قال : فأيّ القسب [2] تحملون إليه ؟ قال : قسب العنبر . قال : ولا بالبصرة منه واحدة . قال ابن هبيرة لخالد : ادّعى عليك خمسا فشاركته في واحدة وسلَّمت له أربعا ، ما أراه إلا قد غلبك . دخل فتى من أهل المدينة البصرة ثم انصرف ، فقال له أصحابه : كيف رأيت البصرة ؟ قال : خير بلاد اللَّه للجائع والعزب والمفلس : أما الجائع فيأكل خبز الأرز والصّحناء [3] لا ينفق في الشهر درهمين ، وأما العزب فيتزوج بشق درهم ، وأما المحتاج فلا عيلة عليه ما بقيت عليه استه يخرأ ويبيع .