ذلك الموضع لا من حوله ، وأن يشرّد قبل الوقعة الأفره فالأفره من دوابّهم ويقطَّع أرسانها وتهمز بالرماح في أعجازها حتى تتحيّر وتعير ويسمع لها ضوضاء ، وأن يهتف هاتف ويقول : يا معشر أهل العسكر ، النجاء النجاء فقد قتل قائدكم فلان وقتل خلق وهرب خلق . ويقول قائل : أيها الرجل ، استحيني للَّه . ويقول آخر : العفو العفو . وآخر : أوّه أوّه ، ونحو هذا من الكلام . وليعلم أنه إنما يحتاج في البيات [1] إلى تحيير العدوّ وإخافته وليجتنبوا التقاط الأمتعة واستياق الدوابّ وأخذ الغنائم . قال : وينبغي في محاصرة الحصون أن يستمال من يقدر على استمالته من أهل الحصن والمدينة ليظفر منهم بخصلتين : إحداهما استنباط أسرارهم ، والأخرى إخافتهم وإفزاعهم بهم ، وأن يدسّ منهم من يصغّر شأنهم ويؤيسهم من المدد ويخبرهم أنّ سرّهم منتشر في مكيدتهم ، وأن يفاض حول الحصن ويشار إليه بالأيدي كأن فيه مواضع حصينة وأخر ذليلة ومواضع ينصب المجانيق [2] عليها ومواضع تهيّأ العرّادات [3] لها ومواضع تنقب نقبا ومواضع توضع السّلالم عليها ومواضع يتسوّر منها ومواضع يضرم النار فيها ليملأهم ذلك رعبا ، ويكتب على نشّابة [4] : إياكم أهل الحصن والاغترار وإغفال الحراسة ، عليكم بحفظ الأبواب فإن الزمان خبيث وأهله أهل غدر فقد خدع أكثر أهل الحصن واستميلوا ، ويرمى بتلك النّشابة في الحصن ثم يدسّ لمخاطبتهم المنطيق [5] المصيب الدّهيّ الموارب المخاتل غير المهذار ولا المغفّل . وتؤخّر الحرب ما أمكن ذلك فإن في المحاربة جرأد منهم على من
[1] البيات : إسم من بيّت العدوّ أي أوقع به ليلا . [2] المجانيق : آلات ترمى بها الحجارة ، مفردها منجنيق . [3] العرّادات : ج عرّادة ، وهي آلة حرب أصغر من المنجنيق ترمى بالحجارة المرمى البعيد . [4] النّشّابة : واحدة النّشّاب ، وهي السّهام . [5] المنطيق : المرأة المتأزّرة بحشيّة تعظَّم بها عجيزتها .