وكأنّ عينيه سراجا سليط وهو يحمّس أصحابه إلى أن انتهى إليّ وأنا في كثف [1] فقال : معشر المسلمين ، إستشعروا الخشية وعنّوا [2] الأصوات وتجلببوا السكينة وأكملوا اللَّؤم وأخفّوا الخوذ [3] وقلقلوا السيوف في أغمادها قبل السّلَّة والحظوا الشّزر واطعنوا [4] النّبر ونافحوا بالظَّبا وصلوا السيوف بالخطا والرماح بالنّبل وامشوا إلى الموت مشيا سجحا . وعليكم بهذا السواد الأعظم والرّواق المطنّب فاضربوا ثبجه [5] فإن الشيطان راكد في كسره نافج خصييه مفترش ذراعيه قد قدّم للوثبة يدا وأخّر للنّكوص رجلا . ولما ولَّى يزيد بن معاوية سلم بن زياد خراسان قال له : إن أباك كفى أخاه عظيما ، وقد استكفيتك صغيرا فلا تتّكلنّ على عذر مني فقد اتكلت على كفاية منك . وإياك منّي قبل أن أقول إياي منك ، فإنّ الظن إذا أخلف فيك أخلف منك . وأنت في أدنى حظك فاطلب أقصاه ، وقد أتعبك أبوك فلا تريحنّ نفسك ، وكن لنفسك تكن لك ، واذكر في يومك أحاديث غدك ترشد إن شاء اللَّه . قال الأصمعي قالت أم جبغويه ملك طخارستان لنصر بن سيّار الليثي : ينبغي للأمير أن تكون له ستة أشياء : وزير يثق به ويفشي إليه سرّه ، وحصن يلجأ إليه إذا فزع فينجيه - يعني فرسا - وسيف إذا نازل به الأقران لم يخف خونه ، وذخيرة خفيفة المحمل إذا نابته نائبة أخذها ، وامرأة إذا دخل عليها
[1] الكثف : الحشد والجماعة . [2] عنّوا الأصوات : من التعنية أي الحبس والأسر أي احبسوا أصواتكم ولا ترفعوها . [3] الخوذ : ج خوذة ، وهي المغفر ، فارسي معرّب . وأخفّوا الخوذ : إجعلوها خفيفة حتى لا تثقلكم في الحرب . [4] واطعنوا النّبر : أي اطعنوا بسرعة ؛ يقال : طعن نبر : مختلس كأنه ينبر الرمح إي يرفعه بسرعة . [5] الثّبج : معظم الشيء .