بعد الأب . فقال المأمون : لو لم يكن في حق سببك حقّ الصفح عن جرمك لبلَّغك ما أمّلت حسن تنصّلك ولطف توصّلك . وكان إبراهيم يقول بعد ذلك : واللَّه ما عفا عني المأمون صلة لرحمي ولا محبة لاستحيائي ولا قضاء لحق عمومتي ، ولكن قامت له سوق في العفو فكره أن يفسدها بي . ومن أحسن ما قيل في مثله قول العتّابي [1] : [ كامل ] < شعر > رحل الرجاء إليك مغتربا * حشدت عليه نوائب الدهر ردّت إليك ندامتي أملي * وثنى إليك عنانه شكري وجعلت عتبك عتب موعظة * ورجاء عفوك منتهى عذري < / شعر > وقول علي [2] بن الجهم للمتوكل : [ متقارب ] < شعر > عفا اللَّه عنك ألا حرمة * تعوذ بعفوك أن أبعدا لئن جلّ ذنب ولم أعتمده * لأنت أجلّ وأعلى يدا ألم تر عبدا عدا طوره * ومولى عفا ورشيدا هدى ومفسد أمر تلافيته * فعاد فأصلح ما أفسدا ؟ أقلني أقالك من لم يزل * يقيك ويصرف عنك الردى < / شعر > وفي مثله . وجد بعض الأمراء على رجل فجفاه واطَّرحه حينا ثم دعا به ليسأله عن شيء فرآه ناحلا شاحبا . فقال له : متى اعتللت ؟ فقال : [ سريع ] < شعر > ما مسّني سقم ولكنني * جفوت نفسي إذ جفاني الأمير < / شعر > فعاد له .
[1] تقدمت ترجمته . [2] علي بن الجهم شاعر رقيق الشعر ، من أهل بغداد ، خصّ بالمتوكل العباسي ، ثم غضب عليه هذا الأخير فنفاه إلى خراسان ، فأقام مدة ثم انتقل إلى حلب توفى سنة 249 ه . الأعلام ج 4 ص 269 - 270 .