فأرسلت عينيها [1] فبكت فقلت : يا أبا أمية ، ما أظنها إلا مظلومة . فقال : يا شعبي ، إنّ إخوة يوسف جاؤا أباهم عشاء يبكون [2] . بلغني عن كثير بن هشام عن جعفر بن برقان قال : كتب عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه إلى أبي موسى الأشعري كتابا فيه : « بسم اللَّه الرحمن الرحيم ، من عبد اللَّه عمر أمير المؤمنين إلى عبد اللَّه بن قيس . سلام عليك ، أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة ، فافهم إذا أدلي إليك فإنه لا ينفع تكلَّم بحق لا نفاذ له . آس بين الناس في مجلسك ووجهك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك . البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر ، والصلح جائز بين الناس إلا صلحا أحل حراما أو حرّم حلالا ، ولا يمنعنّك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك وهديت لرشدك أن ترجع إلى الحق فإن الحق لا يبطله شيء . واعلم أن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل . الفهم الفهم فيما يتلجلج في صدرك مما ليس فيه قرآن ولا سنّة ، واعرف الأشباه والأمثال ثم قس الأمور عند ذلك ثم اعمد لأحبّها إلى اللَّه وأشبهها بالحق فيما ترى . إجعل لمن ادّعى حقا غائبا أمدا ينتهي إليه فإن أحضر بيّنة أخذ بحقه وإلا استحللت عليه القضاء . والمسلمون عدول في الشهادة إلا مجلودا [3] في حدّ أو مجرّبا عليه شهادة زور أو ظنيّنا في ولاء أو قرابة . إن اللَّه تولَّى منكم السرائر ودرأ عنكم بالبيّنات . وإياك والقلق والضجر والتأذي بالخصوم في مواطن الحق التي يوجب اللَّه بها الأجر ويحسن الذخر ، فإنه من صلحت سريرته فيما بينه وبين اللَّه أصلح اللَّه ما بينه وبين الناس ، ومن
[1] أرسلت عينيها : أطلقت لهما العنان . [2] هنا إشارة إلى قصة يوسف عليه السلام حين احتال إخوته في هلاكه حسدا فوضعوه في بئر شيع وعادوا إلى أبيهم يبكون . وقد وردت هذه القصة مفصلة في القرآن الكريم ، سورة يوسف . [3] مجلودا : من جلد : أي مضروب بالسّوط .