نام کتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا نویسنده : أحمد بن علي القلقشندي جلد : 1 صفحه : 72
لأن اللَّه تعالى لم يعلَّمه الكتابة لتمكَّن الإنسان بها من الحيلة في تأليف الكلام ، واستنباط المعاني ، فيتوسل الكفّار إلى أن يقولوا اقتدر بها على ما جاء به » . قال صاحب موادّ البيان : « وذلك أنّ الإنسان يتوصل بها إلى تأليف الكلام المنثور وإخراجه في الصّور التي تأخذ بمجامع القلوب ، فكان عدم علمه بها من أقوى الحجج على تكذيب معانديه ، وحسم أسباب الشك فيه » . وقد حكى أبو جعفر النحّاس [1] ، أن المأمون قال لأبي العلاء المنقريّ : « بلغني أنك أمّيّ ، وأنك لا تقيم الشعر ، وأنك تلحن في كلامك » فقال : « يا أمير المؤمنين ! أما اللحن فربّما سبقني لساني بالشيء منه ؛ وأما الأميّة وكسر الشعر فقد كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلَّم أميّا وكان لا ينشد الشعر » . فقال له المأمون : « سألتك عن ثلاثة عيوب فيك فزدتني رابعا وهو الجهل ، يا جاهل ! ذلك في النبي ، صلى اللَّه عليه وسلَّم فضيلة وفيك وفي أمثالك نقيصة » . قال الجاحظ : « وكلام أبي العلاء المنقريّ هذا من أوابد ما تكلَّم به الجهّال » . على أن أصحابنا الشافعية رحمهم اللَّه قد حكوا وجهين في أنه صلى اللَّه عليه وسلَّم هل كان يعلم الكتابة أم لا ، وصححوا أنه لم يكن يعلمها معجزة في حقه كما تقدّم . قال أبو الوليد الباجي [2] من المالكية : « ولو كتب ، صلى اللَّه عليه وسلَّم لكان معجزة لخرق العادة ، قال : وليست بأوّل معجزاته صلى اللَّه عليه وسلَّم » . وإذا كانت الكتابة من بين سائر الصّناعات بهذه الرتبة الشريفة والذّروة
[1] هو أحمد بن محمد بن اسماعيل المرادي المصري : مفسّر أديب توفي سنة 338 ه . كان من نظراء نفطويه وابن الأنباري . ( الأعلام 1 / 208 ) . [2] ابو الوليد ، سليمان بن خلف الباجي ، نسبة إلى باجة : متكلم وأديب أندلسي ؛ توفي سنة 474 ه . وأهم مصنفاته : شرح لموطأ مالك اسمه « المنتقى » ورسالة في الحدود . ( دائرة المعارف الإسلامية 5 / 586 ) .
72
نام کتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا نویسنده : أحمد بن علي القلقشندي جلد : 1 صفحه : 72