نام کتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا نویسنده : أحمد بن علي القلقشندي جلد : 1 صفحه : 329
فإن ذلك من وظيفة الشاعر لا الكاتب ، وإن كان الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي رحمه اللَّه قد أشار في كتابه « حسن التوسل » إلى التمثيل بذلك لما نحن بصدده . الحالة الثالثة الحلّ وهو أن يعمد الكاتب إلى الأبيات من الشّعر ذوات المعاني فيحلَّها من عقل الشعر ، ويسبكها في كلامه المنثور ، فإن الشعر هو المادّة الثالثة للكتابة بعد القرآن الكريم والأخبار النبوية ، على قائلها أفضل الصلاة والسلام ، وخصوصا أشعار العرب فإنها ديوان أدبهم ، ومستودع حكمهم ، وأنفس علومهم في الجاهلية ؛ به يفتخرون ، وإليه يحتكمون . فإذا أكثر من حفظ الشعر وفهم معانيه ، غزرت لديه الموادّ ، وترادفت عليه المعاني ، وتواردت على فكره ، فيسهل عليه حينئذ حلَّها ، ووضعها في مكانها اللائق بها بحسب مقتضيات الكتابة . قال صاحب « الريحان والريعان » : وهو شأن حذّاق الكتاب في زماننا ، وفيه من الجمال فنون : منها أنه يدل على حفالة أدب المجيد ، واتساع الحفظ ، والتيسير والتأتّي لسبك اللفظ . ومنها أنه ليس يشهر منها إلا النادر للغاية في الحسن ، فهي إذا حلَّت يحاورها المنشىء بما يناسب حسنها في البراعة ، وهذا كثير في هذه الصناعة . قال في « المثل السائر » : وإنما جعل المنظوم مادة للمنثور بخلاف العكس لأن الأشعار أكثر ، والمعاني فيها أغزر ، قال : وسبب ذلك أن العرب الذين هم أهل الفصاحة كان جلّ كلامهم شعرا ، ولا يوجد الكلام المنثور في كلامهم إلا يسيرا ، ولو كثر فإنه لم ينقل عنهم بل المنقول عنهم الشعر فأودعوا أشعارهم كل المعاني كما قال اللَّه تعالى * ( أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ ) * [1] . ثم